للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استدلال السلف الصالح بقوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) على إثبات الرؤية]

وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]، أي: للذين أحسنوا في هذه الدنيا بعمل الطاعات، والائتمار بالأوامر، والانتهاء عن النواهي، لهم الجنة وزيادة، والزيادة هي: النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.

وقد فسرها بذلك النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة من بعده، فقد جاء في صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]، فقال: إذا دخل أهل الجنة الجنة -وهذا نعيم- وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟! فيكشف الحجاب؟)، أي: فيكشف الله تبارك وتعالى الحجاب بينه وبين عباده فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي تلك الزيادة في الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]، والزيادة هي النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى، وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم كما روى ابن جرير ذلك عن جماعة منهم: أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو موسى الأشعري وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.

وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]، فهذه الآية في حق الكفار، فنفرق بين رؤية المؤمنين ورؤية الكفار، فالكفار محجوبون، ومفهوم المخالفة يدل على أن المؤمنين غير محجوبين عن رؤية الله عز وجل، فيكشف لهم الحجاب فيرونه عز وجل، فضلاً عن ورود الآية الصريحة في إثبات الرؤية وهي قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣]، فهذه الآية في حق أهل الإيمان، وآية الحجب: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] في حق الكفار.

وقد احتج الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة، إذ أنها صريحة في ذلك، ومنطوقها يدل على حجب أهل الكفر عن الرؤية، ذكر ذلك الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي.

وقال الحاكم: حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان -وهو تلميذ الإمام الشافعي - قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله وقد جاءته رقعة قماش من الصعيد فيها

السؤال

ما تقول في قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]؟ فقال الشافعي: لما أن حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا.

فاحتج بهذه الآية التي منطوقها صريح في حجب الكفار عن الرؤية، واحتج بمفهوم المخالفة على إثبات الرؤية لأهل الإيمان.