للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان ما جاء في بداية ظهور بدعة القدر وإنكارها]

قال: [سياق ما فسر من الآيات في كتاب الله عز وجل، وما روي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر، وما نقل من إجماع الصحابة والتابعين والخالفين لهم من علماء الأمة: أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل طاعاتها ومعاصيها.

وروي ذلك عن الصحابة لفظاً: عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر] وعدد كثير من الصحابة.

قال: [وعن طاوس -وهو من التابعين- قال: أدركت ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر.

وبه قال من التابعين: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وسليمان بن يسار، وكعب الأحبار]، وعدد كثيراً من التابعين.

قال: [قال يونس بن عبيد: أدركت البصرة وما بها قدري إلا سيسويه -اسم سوسن النصراني بالفارسية: سيسويه - ومعبد الجهني، وآخر ملعون في بني عوافة أو بني عوانة].

يعني: لا يقول بالقدر في البصرة إلا ثلاثة: أولهم سيسويه، وبعده معبد -وهو تلميذه-، ورجل آخر ملعون في قوم يسمون: بني عوافة أوبني عوانة.

قال: [وعن ابن عون قال: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان].

يعني: أيهما أفضل علي أم عثمان، والإجماع منعقد على أن علياً بعد عثمان في الخلافة، لكن وقع الاختلاف في أيهما أفضل: علي أو عثمان؟ ونشأ هذا الخلاف بين أهل السنة والجماعة، وممن كان يقول بأفضلية علي: سفيان الثوري، وهو من أئمة السلف وأئمة السنة، ولكنه رجع عنه.

فالراجح وهو مذهب جمهور أهل السنة والجماعة: أن عثمان أفضل من علي بن أبي طالب، وترتيب الأربعة في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.

فلم يختلفوا في الخلافة، وإنما اختلفوا في الأفضلية بين علي وعثمان، وهذا الخلاف لا يضلل به المخالف ولا يبدع، فهناك مسائل في الاعتقاد وقع الخلاف فيها بين أهل السنة والجماعة، وهذه المسائل بعينها لا يضلل فيها المخالف، وإنما يضلل المخالف إذا اختلف مع أهل السنة والجماعة في شيء غير ما وقع بينهم من اختلاف.

مثلاً: هل رأى النبي عليه الصلاة والسلام ربه أم لا؟ بعضهم قال: رآه، وبعضهم قال: لم يره، وهذا الكلام ذكرناه وذكرنا الخلاف فيه سابقاً، لكن الراجح من مذهب جمهور أهل السنة: أنه لم يره، والذي قال: إنه رآه لم يتبين من قوله هل: هو أراد أنه رآه بفؤاده أو بعيني رأسه؟ ولم يكن هناك تصريح منه أنه رآه بعيني رأسه، فيحمل قوله على أنه رآه بفؤاده، وبهذا يتفق مع مذهب بقية أهل السنة والجماعة.

فإذا قال قائل: إنه رآه بعيني رأسه لا يضلل؛ لأنك لو قلت ذلك للزمك الوقيعة والطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بلا شك يخالف ما عليه أهل السنة في معتقدهم وتبجيلهم واحترامهم لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، المخطئ منهم والمصيب، فنقول: أخطأ فلان ولا نقول: ضل فلان؛ لأن من شعار أهل البدعة أنهم إذا اختلفوا في مسألة كفر بعضهم بعضاً، وضلل بعضهم بعضاً.

فمعتقد أهل السنة والجماعة إذا اختلفوا في مسألة أن يخطئ بعضهم بعضاً فقط، فنقول: فلان أخطأ؛ وذلك لأنه ليس معصوماً، وأما أن يقول: ضال أو كافر فهذا مذهب أهل البدع، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أهل السنة أرحم بأهل البدع من بعضهم لبعض.

فانظر إلى منهج الاعتدال عند أهل السنة والجماعة.

قال: [قال ابن عون: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان، حتى نشأ ها هنا حقير يقال له: سيسويه البقال، وكان أول من قال بالقدر].

وهذا يدل على أن بدعة القدر نشأت من عند النصارى في البداية.

قال: [وعن أيوب السختياني قال: أدركت الناس وما كلامهم إلا وإن قضى الله، وإن قدر الله].

يعني: كان الناس كلهم متفقين على أن القضاء والقدر من عند الله، إلى أن نشأ سوسن، واتخذ له تلاميذ من أبناء الإسلام بزعمهم، فقالوا بتلك المقولة الفاسدة.

قال: [وعن عبد الله بن يزيد بن هرمز قال: لقد أدركت وما بالمدينة أحد يتهم بالقدر إلا رجل واحد من جهينة يقال له: معبد] ومعبد الجهني أخذ البدعة من البصرة على يد سوسن، ثم انتقل بها إلى المدينة، وأحاديث أهل ال