[الرد على المبتدعة في الاحتجاج بتفسير ابن عباس للساق]
وأما ما جاء عن ابن عباس أنه قال: يريد القيامة والساعة لشدتها، فقد ضعفه كثيرون من أهل العلم بالحديث، وقالوا: ولا يصح شيء من هذا عن ابن عباس، ولهذا لما جاء هذا الخبر عن ابن عباس طار به أهل البدع فرحاً، وهذه من علامات أهل البدع.
أي: أن تقع أعينهم وعقولهم على قول لرجل -وإن كانت غير راجحة- ليؤيد ما هم عليه من البدعة، ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: لم تكن هناك صفة لله عز وجل محل جدال ونقاش وخلاف بين السلف إلا هذه الصفة.
وما روي عن ابن عباس فيها طار به أهل البدع فرحاً؛ لأنهم نسبوا التأويل للسلف، ولم يقولوا: إن هذه زلة لـ ابن عباس مثلاً، مع أنها ليست بزلة؛ لأنه لم يثبت عنه هذا الكلام، وعلى فرض ثبوته -وهذا يعني على أضعف الإيمان وأقل الأقوال- فإن ابن عباس قد قال: إن قاتل النفس لا توبة له.
كما قال: إنه ليس هناك رباً إلا ربا النسيئة المذكور في القرآن، ولم يقل بربا الفضل، بل قد زل ابن عباس في أكثر من سبع مسائل خالفه فيها جمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهنا في هذه الصفة قد خالفه الصحابة وعلى رأسهم: عبد الله بن مسعود وقال: الساق صفة ذاتية لله عز وجل.
لذا فلو ثبت هذا عن ابن عباس فنحن نعلم أن إثبات لازم الصفة عند السلف يستلزم إثبات الصفة أولاً، وهذه قاعدة عند السلف، بخلاف المتأولة الذين يثبتون لازم الصفة دون الصفة.
فإذا كان هذا معلوماً من مذهب ابن عباس في صفات الله تبارك وتعالى كلها، فلم يثبت المبتدعة هنا لازم الصفة وينفون أصل الصفة الذي هو من معتقد ابن عباس في جميع صفات الله تبارك وتعالى؟ وفي هذه الحالة لابد -وهذا على فرض صحة وثبوت هذا الكلام عنه- من إثبات الصفة ولازمها.
ومن أمثل الأسانيد التي جاءت عن ابن عباس في ذلك: ما رواه الفراء في كتابه (معاني القرآن).
قال: حدثني سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قرأ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:٤٢].
أي: يريد القيامة والساعة لشدتها.
وهذا التفسير من ابن عباس للآية لا تقوم به حجة.
نعم ابن عباس ترجمان القرآن، والنبي عليه الصلاة والسلام قد دعا له، وكان من أحبار هذه الأمة، لكن هل يستلزم هذا بالضرورة ألا يخطئ ابن عباس؟ إنه إذا لم يكن معصوماً فالخطأ جائز عليه حينئذ، وإذا جاز الخطأ عليه فنرده بقول بعض أصحابه له، ولذلك نحن دائماً نقول: إن إجماع الصحابة حجة بلا خلاف، لكن على فرض أن هذا تأويل ابن عباس، فتأويل هذه الصفة من ابن عباس هل عليه إجماع الصحابة؟ لا.
فلا أقل من أن نقول: إن هذه الصفة محل خلاف عند السلف، لكن هذا الخلاف لابد من فصل النزاع فيه، فنقول: إن حديث: (يوم يكشف ربنا عن ساقه)، لم يصل ابن عباس، وإذا كان هذا الحديث لم يصل ابن عباس وقال بغيره، فهو مجتهد مأجور أجراً واحداً لأن الصحابة قد خالفوه بإثبات الساق الحقيقية لله عز وجل، وفي هذه الحالة لابد من رد كلام ابن عباس، أو حمله على أحسن المحامل، ورده أولى، وعليه فهذا التفسير للآية من ابن عباس لا تقوم به الحجة؛ لثبوت النص عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية.