للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)]

قال: [قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ} [الأنبياء:٣٥] الابتلاء: هو الاختبار، {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥]، فإذاً: الخير والشر فتنة من الله عز وجل للعبد.

قال: [عن ابن عباس -في تفسير هذه الآية- نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة].

{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥].

يعني: تصور لو أن عبداً لم تتح له قط سبل المعصية هل سيشعر بحلاوة الطاعة وهو قائم بالطاعة بالليل والنهار؟ فلا يشعر بعناء المعصية ولا بمجاهدة نفسه في البعد عن طاعة الله عز وجل.

تصور لو أن واحداً يعيش في مجتمع نقي نظيف لا فتنة فيه، أموره كلها لله، يقوم من طاعة ويقعد في طاعة، وينتهي من طاعة فإذا به يستلزم طاعة أخرى، ويعمل طاعة أخرى، لأن المجتمع كله يعينه على الطاعة.

أما لو عاش في مجتمع كله فساد وشر، فالمرء يجاهد نفسه مجاهدة شديدة جداً حتى لا يقع في معصية الله عز وجل، كمن تعرض عليه جريمة الزنا، ولكنه يجاهد نفسه حتى لا يقع في هذه الفاحشة، فإذا لم يقع فيها فإنه يشعر بنعمة عظيمة جداً، وأنه كان على مشارف معصية فنجاه الله تعالى منها.

لو أن واحداً قد طحنه الفقر طحناً، وعرضت عليه أموال كثيرة جداً يسرقها ويغنى، ولكنه جاهد نفسه وكف يده عن الحرام فأغناه الله عز وجل، أو أبدله حلاوة لا يشعر بها إلا في قلبه.

هذه أحلى من مد يده، يشعر العبد حين مجاهدة نفسه بأن الخير أحياناً يكون فتنة والشر أحياناً يكون فتنة.

والله تعالى يبتلي العبد بهذا وذاك، حتى يختار العبد لنفسه ما شاء مع قيام الحجة الرسالية عليه.