هذه الصفة كغيرها من الصفات أحدثت إشكالاً عظيماً جداً عند كثير من أهل العلم، ولذلك ابن الجوزي عليه رحمة الله في تفسير هذه الآية يقول: قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة والجمهور -وهذا كلام فيه شطط وغلو-: يكشف عن شدة.
وهذا هو التأويل الأول في معنى الساق.
وأنشدوا: وقامت الحرب بنا على ساق أي: إذا اشتدت الحرب بنا.
وقال آخرون: إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا وقال ابن قتيبة: وأصل هذا: أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه شمر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة.
وبهذا قال الفراء وأبو عبيد وثعلب واللغويون.
فإذا كانت الساق في اللغة العربية تعني الشدة في أحد وجوهها، فلا تفسر هنا على أن الساق الواردة في حق الله عز وجل بمعنى الشدة؛ لأن هذا سيكون حتماً تحريفاً للكلم عن مواضعه، وصرفاً للفظ عن ظاهره إذا احتملت اللغة للمصطلح وجهاً، لكنها وردت في سياق لا تحتمل هذا الوجه اللغوي، وعليه فلا يمكن حمل هذا اللفظ على الوجه اللغوي أبداً، وإلا فاليد أحد وجوهها في اللغة: النعمة، والقوة، فهل يمكن أن نحمل قوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح:١٠] على أن نعمته فوق نعمتهم، أو أن قوته فوق قوتهم؟
الجواب
لا.
لكن إذا عبرنا عن اليد بالقوة فهذا أمر جائز في اللغة، لكنه في الاصطلاح وفي سياق الآية لا يجوز لنا أن نحمل اليد على القوة أو القدرة أو النعمة مع عدم إثبات اليد الحقيقية لله عز وجل على المعنى اللائق، فإذا أردنا أن نثبت هذا وذاك، أو أن نثبت الوجه اللغوي، فلابد أولاً من إثبات الوجه الشرعي، ثم نثبت بعد ذلك الوجه اللغوي؛ لأن أهل البدع المتأولون يعتقدون صرف النص عن ظاهره إلى معناه المجازي أو معناه اللغوي دون إثبات حقيقته لله عز وجل.
أما أهل العلم من السلف فإنهم يثبتون الصفة لله عز وجل ولازمها بعد ذلك، فيثبتون اليد أولاً، ثم يثبتون لازم هذه اليد، بخلاف المتأولة فإنهم يثبتون اللازم ولا يثبتون الصفة الحقيقية لله عز وجل.
فإذا قلنا هنا: إن الساق في اللغة لها وجه بمعنى: الشدة، فإننا لابد وأن نثبت أولاً لله عز وجل الساق، ثم نثبت لازم ذلك وهو الشدة والقوة، أما تحريف هذه الكلمة عن ظاهرها، وإثبات الشدة للساق دون إثبات الساق لله عز وجل، فهذا صرف للنص عن ظاهره دون مسوغ شرعي.