[السرور عند الحسنة والحزن عند السيئة من شعب الإيمان]
قال: [وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن)]، يعني: الذي يصنع المعروف ويفرح به علامة على الإيمان، والذي يفعل السيئة ويغتم ويستاء من نفسه ويكره نفسه؛ لأنه فعل السيئة وما كان ينبغي لمثله أن يفعل ذلك، فهذا دليل على الإيمان أيضاً، يعني: تصور أنك لما تعصي الله عز وجل بمعصية تضيق عليك نفسك حتى لا تجد في الأرض رحباً، مع أن الأرض واسعة، فتحس بضيق صدر وضيق أفق عندك، حتى كدت أن تموت وتختنق؛ لأنك وقعت في معصية الله، هذا الضيق وهذا الألم الناتج عن حدوث المعصية علامة على إيمان العبد، لكن واحد يشرب خمراً، وحين تقول له: يا فلان هذا حرام، يقول: أنا أحسن من غيري ألف مرة، فهذا معناه أنه مستمر على المعصية، فقل أن يوجد عنده إيمان، لما تكلمه في معصية يذكر لك معصية أعظم منها وأفجر منها، يقول لك: صحيح أنا أزني وأسرق واقتل وأشرب الخمر، لكن غيري يعمل مثل الذي أنا أعمله عشر مرات، أنا والحمد لله ما أعمل إلا هذه الخمس فقط.
فالعبد الصالح الذي نقى قلبه لله عز وجل يفرح فعلاً بالطاعة، ومع فرحه بالطاعة يخشى ألا تتقبل منه، فهذه خشية تحمله على المزيد من أداء العمل الصالح؛ ولذلك (لما تلت عائشة رضي الله عنها قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٦٠]-فمعنى قلوبهم وجلة أي: خائفة- قالت: يا رسول الله! أهذا الزاني يزني والسارق يسرق؟ قال لها: لا يا ابنة الصديق! إنما هؤلاء أقوام قد أتوا بصلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد، يخافون ألا يتقبل منهم) يعني: قد عملوا الصالحات، لكنهم يخافون ألا يتقبل الله منهم ذلك، فيحملهم الخوف على المزيد من العمل، لا يحملهم الخوف على اليأس؛ لأن الخوف منه ما هو ممدوح ومنه ما هو مذموم، فالخوف الذي يؤدي إلى اليأس من رحمة الله، هذا نوع كفر، قال تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧]، إنما الخوف الذي يؤدي بك إلى المزيد من الطاعة هذا هو الخوف الممدوح، فالذي هو خائف من النار فإنه يعمل من أجل أن ينجو من النار، فيلتزم الأوامر وينتهي عن النواهي ولا يتعدى الحد، فإن من يتعدى حدود الله فقط ظلم نفسه.
إذاً: أمامك ثلاثة أشياء: التزام الأمر والعمل به، وترك النهي طاعة لله عز وجل واستجلاباً لرضاه، والوقوف عند حدود الله ومحارمه لا تتعداها.
لو أن عبداً أتى إلى الله بهذه الثلاث لنجا من النار ودخل الجنة.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (عمر أمتي ما بين الستين إلى السبعين لا يزيد عنه إلا قليل) فمن زاد عن ذلك فقوته تتهدد، وإن ارتكب المعاصي فهو أشقى الخلق، فإن الأصل أن الإنسان بعد الستين سنة ينتهي أمره، ويبدأ في العد التنازلي.
فالأصل في هذا السن أنه لا يقع في المعصية، لأنه يعجز غالباً عن الوقوع فيها، فإذا كان عمر الإنسان يتحدد بستين سنة، وهذه الستين السنة منها عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة نوم، وعشر سنوات إلى خمس عشرة سنة قبل البلوغ، ومجموع ذلك ثلاثون سنة، والباقي ثلاثون سنة، فهل يعجز المرء أن يستقيم على أمر الله ثلاثين سنة، مقابل نعيم لا ينفد ولا ينقطع، في جنة عرضها السماوات والأرض؟ حياة أبدية سرمدية لا نهاية لها، من النعيم واللذة والنظر إلى وجه الله الكريم، الواحد منا لو يحجز نفسه في بيت، ويلزم نفسه بالطاعة إلى أن يأتيه أجله، يفعل ذلك من أجل النعيم الذي سيأتي.
فما وقع عبد في معصية إلا وأحس بتفاهة نفسه بعد الوقوع فيها، خاصة العبد الذي عنده أصول الإيمان.
تصور لو أنك سرقت مال أخيك، فحين تنفقه لا تشعر بلذة، وتتمنى لو أنه رجع إلى صاحبه ثانية، ولو أن أحدهم زنى، فبعد الفراغ من الزنا مباشرة يحتقر نفسه، بل ربما يبصق على نفسه من سوء ما فعل؛ ولذلك فإن بين الطاعة والمعصية لحظة، فاضغط على نفسك فيها.
تصور لو أن امرأة جميلة مشت في الشارع تنادي على الزناة أن ينظروا إليها، وأن يقعوا عليها، وأنت لقيت هذه المرأة في الطريق، فما بينك وبينها إلا أن تغض بصرك لحظة حتى تمر خلف ظهرك، وتفرغ من أمرها، ثم ترى بعد ذلك ما يقدر الله عز وجل لك من الخير.
فالفرق بين الطاعة والمعصية ما هي إلا لحظات! يضغط فيها العبد على نفسه حتى ينجو من عذاب الله عز وجل.