اختلف العلماء في تارك الزكاة؛ لما ورد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قاتل مانعي الزكاة، لكن مقاتلة أبي بكر لمانعي الزكاة كان لها فقه وتأويل، بدليل أن أبا بكر لما سئل: أكفار هم؟ قال: لا، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سئل عن مقاتله الخوارج: أكفار هم؟ قال: لا، ولكنهم إخواننا بالأمس بغوا علينا اليوم، فعدهم من البغاة، بل والنبي عليه الصلاة والسلام حكم بذلك عندما قال:(تقتل عمار الفئة الباغية).
وكان عمار بن ياسر في صف علي بن أبي طالب، فسماهم بغاة، والبغاة لا يقاتلون إلا بشرطين، الشرط الأول: أن يتحزبوا ويتميزوا ويتحيزوا في صعيد واحد، والشرط الثاني: أن يعظم خطرهم على الإمام ومن معه، أو أن يبدءوا الإمام بالقتال، فحينئذ يجوز بل يجب على الإمام أن يقاتل من بغى وخرج عليه، وهذا الذي حدث من علي بن أبي طالب مع الخوارج ومن قبله أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومن مانعي الزكاة من تأول قول الله عز وجل:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}[التوبة:١٠٣].
فمانعو الزكاة الذين حاربهم أبو بكر الصديق كانوا صنفين، منهم قوم ظنوا واجتهدوا اجتهاداً خاطئاً أن الزكاة إنما تخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون من يأتي بعده، لقول الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام:((خُذْ))، أي: يا محمد! ((مِنْ أَمْوَالِهِمْ))، وفهموا أن هذا الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام خاصة، وليس لأحد من الخلفاء ممن يأتي من بعده.
فهؤلاء تأولوا، ولكنهم أخطئوا، والمتأول المخطئ لا يحارب، وإنما يفهم ويبين له الأمر، ولكن هؤلاء تميزوا وتحيزوا مع المرتدين الذين ارتدوا عن دين الإسلام، فصاروا في صعيد واحد، فأخذ هذا الأمر حكم ما يسمى في الإسلام بقتال أهل الثغر.
والثغر يجوز فيه قتل المؤمنين الموحدين إذا بقوا في وسط الكفار إذا قامت الحرب بينهم وبين الإمام، وهذا أمر معلوم، كما قال الله تعالى:{لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا}[الفتح:٢٥]، ولكنهم لم يتزيلوا، ومعنى تزيلوا: أي: تحيزوا وتميزوا، فهؤلاء لم يتميزوا ولم يتحيزوا، وصاروا ثلة قليلة من مانعي الزكاة المتأولين في وسط قوم عظام كثرة ارتدوا عن دين الإسلام صراحة، وكان يلزم أبا بكر الصديق أن يقاتل ويحارب هؤلاء المرتدين حتى يردهم إلى الإسلام أو يقتلهم، وإذا قتلهم فلابد أن يقتل معهم المتأولين في منع الزكاة، وإما أن يتركهم بلا قتال، وبالتالي يعظم خطرهم جداً على المدينة وعلى أهل المدينة من المؤمنين، خاصة مع موت النبي عليه الصلاة والسلام وجرح جميع القلوب في المدينة، بل وفي كل بقعة دخلت في الإسلام، فكانت المصلحة تستدعي قتالهم، وقد أنكر عمر بن الخطاب على أبي بكر قتالهم في أول الأمر، ثم أقره في آخر الأمر وشاركه في مقاتلتهم وقال: فما خاصمت أبا بكر فيها بعد، فسرعان ما انشرح لذلك، وعلمت أنه الحق، أي: علمت أن ما عليه أبو بكر الصديق هو الحق، وعلمت أن الله شرح صدره لذلك، فعلم عمر بذلك أن أبا بكر رضي الله عنه على الحق.