[حديث أبي سعيد: (ألا أعلمك لعل الله ينفعك)]
قال: [عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (يا غلام! ألا أعلمك لعل الله ينفعك؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله يكن أمامك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، تعرف إلى الله في الرخاء)]، وهذه مصيبتنا اليوم، إذ إننا نتعرف إلى الله في الشدة، وحينما نخرج من هذه الشدة ننسى الله عز وجل وننسى طاعته وأمره ونهيه.
قال: [(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، جرى القلم بما هو كائن)].
أي: أن القلم كتب كل شيء.
قال: [(فلو أن الناس اجتمعوا على أن يعطوك شيئاً لم يعطك الله لم يقدروا عليه)].
أي: لو أنك أتيت بمليون لواء ليخرجوك من الحبس فلا يمكن ذلك، إلا إذا كان مقدر في اللوح المحفوظ أنك ستخرج منه بسبب فلان وفلان.
قال: [(ولو أن الناس اجتمعوا على أن يمنعوك شيئاً قدره الله لك وكتبه لك ما استطاعوا)].
فالمدير حين يقول لك: إذا لم تلتزم بعملك سأفصلك وأقطع عيشك ورزقك، فقل له: أنت كذاب.
وليس معنى هذا أنه حين يفصلك من العمل أنك تأتيني وتقول لي: شغلني.
فالشغل ليس بيدي وإنما بيد الله، فلا تحملني مسئوليتك.
وقد حصل لي مثل هذا، جاء رجل فقال: إن المدير قال له: صل الظهر مع العصر حينما تذهب.
فقال له: وهل أنا مسافر لكي أصلي الظهر والعصر جمع تأخير؟ الكلام هذا غير صحيح.
فقال له: سنقطع عيشتك من هنا.
قال له: أنت كذاب، فطرده.
إذاً: كان قوله له: (أنت كذاب) بقدر، ولو لم يكن مكتوب لما قالها، وحينما طرد الرجل هذا من الشغل كان أيضاً بقدر، فهل أنت تسأل الله عز وجل أم لا؟ وهل تريد أن تدخل الجنة من غير ابتلاء؟ إن هذا الرجل يحاربك في أصل دينك فكيف تقعد معه؟ أنت مطالب أن تصاحب الخليل الذي هو على مثل نهجك وإيمانك، (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
ففي هذه الحالة حينما تخرج من شغلك لا تأت إلي في مسجد الرحمة فتقول: أنت قلت لي أن أقول للمدير: أنت كذاب! وأنا الحمد لله خرجت فابحث لي عن شغل.
سأقول لك: أنا آسف، فهذا الشغل ليس لي ولكنه رزق من السماء، والمطلوب منك أن تسعى، والله تبارك وتعالى سيرزقك.
وقد قابلت أنا والشيخ عبد الفتاح الزيني رجلاً نصرانياً أسلم، ووالله إنه ليأكل من القمح الذي يُلقى للحمام في المسجد الحرام، ويقول: لا يمكن أقبل شيئاً من أحد، فأنا أسلمت لله عز وجل فقط لا لأحد.
ونحن الآن نرى أناساً ممن أسلموا في الشارع وورق إشهار إسلامهم في أيديهم يتسولون بها، وهذا المنظر في الحقيقة يغيظني جداً، والذي يسألني بإسلامه وإيمانه وتحوله من الكفر إلى الإسلام أنهره نهراً شديداً جداً، ولا أملك نفسي قط، والذي لا أملك نفسي أمامه من باب أولى أنه لا يزال حديث عهد بالإسلام، فيأتي يقعد على الكرسي ويحدث مشايخ المسلمين ويحدث علماءهم وطلاب العلم.
ما هذا؟ أنت لا تزال حديث عهد بالإسلام، وعمرك في الإيمان والإسلام يوم واحد، ثم تأتي الآن وتحدثنا عن محاسن الدين الإسلامي؟! يجب عليك أن تقعد وتبرك عند الركب ثلاثين عاماً حتى تتعلم دينك، كما قد تجد الجماعة الفلانية أو الجماعة العلانية تقول لك: أسلم المفكر الإسلامي العظيم، والذي عمل كذا وكذا، ثم من اليوم التالي يأتي ليلقي دروساً في المساجد! والله المستعان.