[مرتبة الخلق والإيجاد عند علماء الإسلام وعند أهل البدع]
لقد اختلف الناس في الخلق والإيجاد بعد أن اختلفوا في علم الله تعالى، فقال بعضهم: إن الله تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها، وإن الأمر أنف، وأهل السنة والجماعة كفروا من قال بذلك، وأما مرتبة الخلق والإيجاد: فمنهم من يقول: إن العبد مسير، أي: مقهور ومجبور على إتيان أفعاله خيرها وشرها، وهذه الفرقة تسمى: الجبرية، وهذه المقولة خطيرة فضلاً عن عدم مناسبتها واتفاقها مع معتقد أهل السنة، ونتج عن هذه المقولة أنه لا يجوز لله عز وجل أن يعاقب العبد، ولو عاقبه لكان ظالماً؛ لأنه هو الذي قهر العبد، ولم يثبتوا للعبد إرادة ولا اختياراً، بل قالوا: إن الفاعل الحقيقي للطاعات والمعاصي هو الله، وهذا ضلال مبين.
وفي المقابل ظهرت فرقة أخرى تقول: إن الأفعال كلها وقعت باختيار وإرادة العبد، ولا دخل لله عز وجل فيها مطلقاً، وخطورة ذلك أنهم جعلوا العبد خالقاً لأفعاله، ولا دخل لله عز وجل في أفعال العباد أبداً.
وهذا يتعارض مع معتقد أهل السنة والجماعة القائل: إن الله تعالى خالق كل صانع وصنعته، وهو يلبس على عامة المسلمين بالإرادة والمشيئة، فلم يقسموا الإرادة والمشيئة إلى قسمين كما قسمها أهل السنة: إرادة شرعية دينية، مبنية على المحبة والرضا، وإرادة كونية قدرية لا يشترط فيها المحبة والرضا؛ لأن المعاصي لا يحبها الله ولا يرضاها، ومع هذا فإن الله تعالى قد أذن بوجودها، وهو غير ظالم لمن أتى بها؛ لأنه قد أرسل إليه الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وجعل له العقل الذي يميز به بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، فاختار العبد الشر، فلما اختار العبد الشر يسره الله تعالى لاختياره.
إذاً: فالعبد أحياناً يكون مخيراً، وأحياناً يكون مسيراً مجبوراً.