[حديث ابن عباس: (احفظ الله يحفظك)]
قال: [عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ردفت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً -أي: كنت خلفه على الدابة- فأخلف يده ورائي)]، أي: أنه أتى بيده من ورائي، وكأنه يحضنه من الخلف.
[(فقال: يا غلام! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟)]، ومعلوم أنه سينفع ابن عباس بهذا وينفع الأمة كلها؛ لأن الخطاب وإن وجه إلى الصحابة بالدرجة الأولى إلا أن الأمة معنية بهذا الخطاب، فالخطاب عام للأمة كلها.
قال: [(يا غلام! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ احفظ الله يحفظك)].
أي: لو حفظت الله تبارك وتعالى في قلبك وجوارحك، وفي طاعتك، وفي إحسانك، وفي كرمك، وفي أدبك، وفي المحافظة على الفرائض والنوافل والسنن، فإن الله تبارك وتعالى سيحفظك ويوفقك إلى ذلك، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:١٧].
قال: [(احفظ الله تجده أمامك)]، أي: تجده أمامك ولا يمنع هذا أنك تجده أمامك على الحقيقة برحمته وفضله وإحسانه وجوده، [(وإذا استعنت فاستعن بالله)].
وهذه هي عقيدة التوكل على الله عز وجل، والتي غابت من حساب معظم الأمة، فالواحد إذا أراد أن يقضي مصلحة فكر أولاً بالوسيط من البشر، ولا يعتمد أول الأمر على الله تعالى.
وقد حدثتني امرأة قبض على زوجها، فقالت: ما تعرف فلاناً وفلاناً؟ فقلت: لا أعرفهم.
قالت: إن زوجي حينما أعطاني أرقام التليفونات هذه قال لي: أول ما يعتقلوني اتصلي بالناس هؤلاء، فلن يخرجني من المعتقل إلا هم! فإذا كانوا لا يُخرجوك إلا هم فمن الذي أدخلك؟ بل إنك دخلت بقدر وسوف تخرج بقدر طال الزمن أم قصر، والناس هؤلاء إنما هم سبب فقط، ولذلك الاعتماد على الأسباب اعتماداً كلياً شرك بالله عز وجل، كما أن ترك الأسباب قدح في التوحيد، ولو كان ترك الأسباب أمراً مشروعاً فهل تستطيع إنجاب الولد بغير زوجة، والشبع بغير طعام، والري بغير شراب؟ مستحيل.
وعليه فلا تقل: إن الجنة هذه لو كانت بقدر، وأن هذا مكتوب وجف به القلم فأنا لا أشتغل! إذاً فنحن نريدك أن تشبع دون أن تأكل، ونريدك أن تأتنا بالولد دون أن تتزوج وأنت لا تستطيع ذلك.
إذاً: الأسباب مسألة ضرورية ومهمة جداً.
قال: [(وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، رفعت الأقلام وجفت الصحف)].
أي: جف القلم الذي أمره الله عز وجل بكتابة ما هو كائن إلى يوم القيامة، فلن يكتب شيئاً بعد ذلك، فأول ما خلق الله خلق القلم فقال له: أقبل فأقبل.
فقال له: اكتب كل شيء كائن إلى يوم القيامة.
قال: [(لو جهدت الأمة)]، أو [(لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء)].
وليس الضابط الفلاني، أو المدير الفلاني، وإنما الأمة بجميع فئاتها ومستوياتها، ووالله العظيم لو اعتقدت هذا لكنت أسعد الناس، وتمشي مطمئناً وتدخل النار وتخرج من الناحية الأخرى، وإذا قدر الله عز وجل لك الحرق ستُحرق، وليس معنى ذلك أن تذهب بنفسك إلى النار؛ لأن من الأسباب ألا تدخل النار، لكن إن ألقاك أحد في النار فاعتقادك وأنت فيها أن هذه النار هي من قدر الله عز وجل، وإن أمرها أن تكون برداً وسلاماً عليك كما كانت على إبراهيم، فلا يسعها إلا سماع أمر الله عز وجل، وإن قدر لك الحرق ستُحرق بقدر، ويؤتى بك يوم القيامة شهيداً؛ لأن من مات بالحرق شهيد، ولكن ليس المنتحر.
قال: [(لو جهدت الأمة على أن ينفعوك بشيء قد كتبه الله لك، ولو جهدت الأمة ليضروك بشيء قد كتبه الله عليك)].
فلا يكون إلا ما قدره الله.