[ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي وأقوال العلماء فيه]
قال: [عن طاوس قال: يا أهل العراق! أنتم تزعمون أن الحجاج مؤمن؟] والحجاج هو ابن يوسف الثقفي، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه يخرج من ثقيف كذاب ومبير).
فأما الكذاب فهو المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي ادعى النبوة، وأما المبير -أي: الظالم لنفسه ولأمته- فهو الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد تولى حكم المسلمين في العراق في خلافة بني أمية كذلك.
وقوله: يا أهل العراق! أنتم تزعمون أن الحجاج مؤمن؟ أي: مع كل ما أتاه من ظلم وفجور؟ والحجاج اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من كفره، ومنهم من توقف عن تكفيره، ومنهم من أثبت له الإسلام وقال: الذي أتاه الحجاج كان معاص، فقد كان الحجاج معروفاً مشهوراً بسفك وإراقة الدماء، وكان معروفاً بشدته وقسوته على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وكان له موقف مع أنس بن مالك خادم النبي عليه الصلاة والسلام، فقد اتخذ الحجاج خاتماً وكان يحميه في النار حتى يحمر ويختم به أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بين أكتافهم في ظهورهم، فلما جاء الدور إلى أنس بكى، فقال: ما يبكيك يا خادم رسول الله! يعني: أن الحجاج يعلم أن هذا خادم النبي عليه الصلاة والسلام، قال: والله لا أبكي جزعاً، وإنما أبكي أن النصارى لا يفعلون هذا بأساقفتهم ولا رهبانهم، وأنت تفعل هذا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يبكي لأن الأمة أنجبت مثل هذا.
ويقول عمر بن عبد العزيز كما قال الحسن البصري: لو جاءت كل أمة بأخبث من فيها وجئنا بـ الحجاج لغلبناهم.
وقد كان الحجاج محباً للقرآن الكريم، ومعظماً جداً للقراء، وأنس من أهل القرآن، ولكنه لم يكن مشهوراً به كشهرة أبي بن كعب مثلاً، كما كان الصحابة يعرفون الفرائض ولكن ليس كمعرفة زيد بن ثابت بها، فـ الحجاج كان يعظم رءوس القراء الذين لهم اجتهاد وحذق في كتاب الله عز وجل، وكان يغدق عليهم ويكرمهم، وهذه بلا شك منقبة، وكانت له عبادة طويلة في ليله ونهاره كالصيام والقيام، وكانت له من البلاغة ومحبة الفصاحة ونصرة اللغة العربية على غيرها الشيء والباع الطويل.
والشاهد: أنه كانت له مناقب ومثالب، وهذا الذي حدا ببعض أهل العلم أن يتوقف فيه، وهم كثرة، وكان الحسن يقول فيه قولاً شديداً، فلما مات الحجاج، قيل: إن الحسن رآه في نومه فسأله: ما فعل الله بك يا حجاج؟! قال: قتلني بكل نفس قتلتها قتلة، أي: قتلني قتلة في مقابل كل نفس قتلتها، ثم غفر لي، قال الحسن: فوالله لا أقول فيه شيئاً بعد اليوم، أي: لا أكفره بعد اليوم، إلى غير ذلك من النصوص التي وردت عن السلف، فمن قادح ومن مادح ومن متوقف ومن مكفر في أمر الحجاج، ويكفيه عاراً أن الأمة اختلفت في إيمانه وإسلامه وفي كفره، ولأجل هذا قال طاوس لأهل العراق: أنتم تزعمون أن الحجاج مؤمن؟ قال: [وقال منصور عن إبراهيم: كفى به عمى الذي يعمى عليه أمر الحجاج]، يعني: الذي يعمى أن الحجاج كافر مثلاً فهذا عمى وعقوبة من الله عز وجل، وقد طمس على بصيرته.
قال: [وقال إبراهيم لما ذكر الحجاج: ألا لعنة الله على الظالمين].
ومن المعلوم أن اللعنة لا توجه إلا إلى كافر.
قال: [وعن طاوس قال: عجبت لإخواننا من أهل العراق يقولون: الحجاج مؤمن! وعن أبي رزين قال: إن كان الحجاج على هدى إني إذاً لفي ضلال]، يعني: إذا كان الحجاج مع كل هذا البلاء مؤمن وعلى هدى فمن يحمل عليه فهو على ضلال، وهذا الكلام مفاده أنه لا يستوي أهل المعاصي مع أهل الإيمان والطاعات، يعني: يريد أن يقول: نحن نعلم يقيناً أننا على الهدى، وأن الحجاج على المعاصي، ويكفي أنه سفاك للدماء، فإذا كان الحجاج يستوي مع أهل الطاعة فهذا يعني أن أهل العراق وخاصة الكوفة يقولون: إن أصحاب المعاصي يستوون في الإيمان مع أصحاب الطاعات، وهذا هو الإرجاء، فالمرجئة يقولون: أفسق الناس كأعبد الناس فيما يتعلق بالإيمان، حتى قال قائلهم: إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل.
وهذا بلا شك كلام يخالف أصل الاعتقاد.
[وقال الأجلح: قلت للشعبي: إن الناس يزعمون أن الحجاج مؤمن؟ قال: صدقوا، مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله].
والإيمان أشكال وأنواع.
قال: [وقال الحجاج -وهو الحجاج بن محم