اختلاف الصحابة في حكم قاتل المؤمن عمداً راجع إلى قول بعضهم بنسخ آيات النساء المتعلقة بجزاء قاتل المؤمن عمداً
وقضية قاتل المؤمن عمداً قضية مشكلة، ولذلك أشكلت على بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الأمر فيها يحكمه عدة أدلة، فمنهم من ادعى النسخ بين هذه الأدلة التي جاءت في كتاب الله عز وجل، ومنهم من قال بأن الآيات محكمة وليست منسوخة، وإذا قيل: آية محكمة فهذا يعني أن زعم النسخ فيها غير صحيح، أو أنه لم يقل أحد بأن فيها نسخاً، وقول الخطيب أو الواعظ: وجاء في آيات الله المحكمات، أي: التي لم يلحقها نسخ.
والنسخ لا يشمل الأخبار قط، وإنما يشمل الأحكام، وقضية النسخ في القرآن والسنة أو في العلم عموماً لا تلحق الخبر؛ لأن الخبر لا يحتمل إلا أمرين، الصدق أو الكذب.
أما الإنشاء فيدخله النسخ، ومنه الأحكام، فالأحكام تتغير وتتبدل، فالله عز وجل قد أمر المسلمين أول الأمر أن يصلوا إلى بيت المقدس، حتى صلوا إليه سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً كما في الصحيحين، ثم نسخ ذلك وأمرهم بالصلاة إلى بيت الله الحرام، وهذا حكم.
والله تعالى لم يخبرنا عن أمة أو عن نبي أو عن رسول من السابقين ثم قال: لا، هذا لم يحدث، لأن هذه كلها أخبار عن الأمم الماضية والغابرة لا يلحقها النسخ، والنسخ إنما يلحق الأحكام.
لما كان القتل من الأحكام لا من الأخبار وتعارضت ظواهر نصوص الكتاب فيما يتعلق بهذا الحكم زعم جمهور أهل العلم من الصحابة وغيرهم أن الآيات التي وردت في هذه القضية أو في هذا الحد -فيما يتعلق بقتل المؤمن عمداً- منسوخة بآيات أخر سنذكرها الآن.
وزعم ابن عباس وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل: أن الآيات غير منسوخة، بل هي محكمة، وسموا الآيات كما أسماها زيد بن ثابت رضي الله عنه: آيات الغلظة وآيات اللين، فسمى آيات سورة الفرقان بالآيات اللينة أي: التي لانت في أسلوبها مع القاتل أو مع وصف عباد الرحمن، وسمى آيات سورة النساء المتعلقة بجزاء القاتل للمؤمن عمداً بالغلظة والشدة.