[أقوال مطرف بن عبد الله الشخير ووهب بن منبه رحمهما الله في إثبات القدر]
قال: [عن مطرف قال: نظرت فإذا ابن آدم ملقى بين يدي الله وبين يدي إبليس].
معنى (نظرت) أي: فكرت وتدبرت وأمعنت في النظر، فتصور لي أن ابن آدم ملقى بين يدي الله وبين إبليس.
قال: [فإن شاء الله أن يعصمه عصمه، وإن تركه ذهب به إبليس].
واجتمع وهب بن منبه وعطاء الخرساني بمكة، فقال له عطاء: يا أبا عبد الله! بلغني أنك كتبت في القدر، أي: كتبت كتاباً عن القدر وتكلمت فيه.
قال وهب: [ما كتبت كتباً ولا تكلمت في القدر].
أي: أنا على إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وعقيدته.
ثم قال وهب: [قرأت نيفاً وتسعين كتاباً من كتب الله، منها نيف وسبعون ظاهرة لا يعلمها إلا قليل من الناس، فوجدت فيها كلها: أن كل من وكل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر].
وهذا كلام يرد به على الجهمية الذين يقولون: إن الله تبارك وتعالى لا علاقة له بأفعال العباد، وأنها من مشيئة العباد وأعمالهم وأفعالهم، وأن الله لا دخل له بأعمال العباد.
ولذلك لو رجعنا إلى نص مطرف قال: [فإن شاء الله أن يعصمه عصمه].
فالعصمة والهداية والضلال بيد الله؛ لأن الله لو ترك عبده لتخطفه إبليس، وتخطف إبليس لهذا العبد إنما هو بقدر من الله عز وجل.
[عن ثابت أن مطرفاً قال: نظرت في هذا الأمر ممن كان فإذا بدؤه من الله عز وجل، وإذا تمامه على الله] إذاً: بداية هذا الأمر بيد الله، ونهايته بيد الله عز وجل.
قال: [ونظرت ما ملاكه، -أي: ذروة سنامه- فإذا ملاكه الدعاء] لأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل.
يقول ابن القيم عليه رحمة الله في كتاب الداء والدواء: الدعاء على ثلاث مراتب يشرح الحديث: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) أي: لا شيء ينفع مع القضاء إلا الدعاء.
وأنتم تعلمون أن الدعاء كذلك بقضاء وقدر، فإن الله تعالى علم أزلاً أنه سيبتلي عبده فلان في المكان الفلاني والزمان الفلاني ببلية فلانية، وأن العبد بقدر الله سيوفق لدعاء يدعوه في هذا الموطن وفي هذا المكان وفي هذه الحالة، وأن الدعاء يكون أقوى من البلاء، إذ يلح فيه العبد بصدق وإخلاص وحسن لجوء وتوجه إلى الله عز وجل؛ فيكون الدعاء أقوى من البلاء الذي نزل، فيدفع الله تبارك وتعالى هذا البلاء بهذا الدعاء؛ لأنه أقوى من البلاء.
وأحياناً يكون الدعاء رخواً ميتاً لا روح فيه، فيكون البلاء أقوى منه ويستقر في العبد، وأحياناً يكون الدعاء على قدر مساو للبلاء فيتعالجان أو يعتلجان أو يتناطحان في السماء إلى يوم القيامة، فلا هذا يغلب هذا ولا هذا يغلب هذا، وكله بقضاء الله وقدره وعلمه السابق.