[كل اسم ثبت لله فهو متضمن لصفة من غير عكس]
القاعدة الثانية: كل اسم ثبت لله عز وجل فهو متضمن لصفة من غير عكس، يعني: اشتقت الصفة من الاسم؛ لأن باب الصفات واسع جداً، وأوسع منه باب معاني الكمال اللائق بالله عز وجل، فإذا كان من أسماء الله: (الرحمن الرحيم الملك القدوس السميع البصير الرءوف)، فإنه تشتق من اسم الرحيم الرحمة، ومن الرءوف الرأفة، ومن السميع السمع، ومن القوي القوة، فباب الأسماء أدق وأقل من باب الصفات.
إذاً: أنا بإمكاني أن أشتق صفة لكل اسم؛ لأنه ليس هناك اسم إلا ويدل على صفة، وليس بلازم في الصفات أن تدل على الأسماء، فإنه قد ورد قول الله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢]، وقوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:٣٠]، فالمخادعة والمكر في الإنسان صفتا نقص، لكنهما في حق الله عز وجل على سبيل المقابلة لأفعال العباد صفتي كمال، فمن كان من المخلوقين أشد مكراً وخداعاً فلا يستطيع أن يخادع الله عز وجل، أو أن يمكر على الله عز وجل؛ لأنه عالم الغيب والشهادة، فمهما يبطن المرء من شيء فإن الله يعلمه، بل ويكشف الله عز وجل عن عباده بما قد نووه من مخادعة ومكر وحيل.
والله تبارك وتعالى قال: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة:٢٢]، فلا يصح أن نسمي الله تبارك وتعالى (المنتقم)، لأن هذا ليس من أسمائه، وكذا ليس من أسمائه المخادع الماكر.
إذاً: هذه الصفات التي تدل على النقص في حق البشر ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن على سبيل الكمال؛ لأنها في مقابلة صفات النقص عند المخلوقين، فما كان الله ليخادع إلا بعد أن خادع عبيده، وما كان الله ليمكر إلا بعد مكر عبيده، وما كان الله لينتقم إلا من المجرمين، وكلها صفات لله عز وجل تدل على كماله وإحاطته بخلقه.
والذي يتعلق بهذه القاعدة: أنه لا يجوز أن أشتق أسماء من هذه الصفات؛ لأن الأسماء توقيفية، وكذلك الصفات توقيفية، فلا يصح أبداً أنني أصف الله تبارك وتعالى بوصف لم يصفه لنفسه، ولم يصفه به رسوله الكريم، فإذا كان الوصف قد ورد في الكتاب والسنة أثبتناه، ومن ذلك: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] هذا نفي يستلزم كمال الضد.
يعني: إذا كنت تنفي عن الله الظلم، فيلزمك أن تثبت ضد الظلم وهو كمال العدل، وهذه قاعدة قد شرحناها قبل ذلك: وهي أنه يلزم من نفي الصفة عن الله عز وجل إثبات ضدها كمالاً، إذا كنت تقول: إن الله لا يظلم الناس شيئاً.
إذاً: الله تبارك وتعالى متصف بكمال العدل، وإذا كان الله تعالى قال: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] هذا يدل على كمال القيومية والحياة، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام).
وإذا كان الله تبارك وتعالى موصوف بالجود والكرم والتفضل على عباده، فيلزم من ذلك أن ننفي عنه البخل والشح الذي يتصف به بعض خلقه.
قال: [كل اسم ثبت لله عز وجل فهو متضمن لصفة من غير عكس] يعني: الصفات تشتق من الأسماء ولا تشتق الأسماء من الصفات؛ لأن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وكل من الاسم والصفة أمر توقيفي.
يعني: لا نثبته إلا إذا كان ثابتاً في الكتاب والسنة.
قال: [مثاله: اسم الله: الرحمن متضمن صفة الرحمة، والكريم يتضمن صفة الكرم، واللطيف يتضمن صفة اللطف وهكذا] كل الأسماء لها صفات، لكن من صفاته: الإرادة والمشيئة والاستواء، فالله تبارك وتعالى أثبت ذلك لنفسه في الكتاب، وأثبتها رسوله في السنة فلا يصح أنني آخذ من صفة الإرادة أو المشيئة أو الاستواء اسماً فأقول مثلاً: المشاء أو المريد أو المستوي، مع أن الله قد قال في الاستواء: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ فهي قد ثبتت في الكتاب.