بل ولم يقولوا:(غير مخلوق)؛ لأن السلف لما وقفوا عند ألفاظ معينة ومصطلحات محددة ما تجرأ من أتى بعدهم على أن يخترع لفظة لم يقل بها السلف خاصة في باب العقيدة، فما الداعي لقول مخلوق أو غير مخلوق؟ ولكن لما أتى من قال بخلق القرآن، قام أحمد بن حنبل ومن معه من أهل السنة وردوا عليهم فزادوا: غير مخلوق، وإلا فالأصل أن يقولوا: القرآن كلام الله، وهذه عقيدة السلف، لم يقل أبو بكر ولا عمر ولا غيرهم (غير مخلوق)، ولكن اضطر أحمد بن حنبل أن يرد على من قال: بأنه مخلوق أن يقول له: لا، هو غير مخلوق، ولذلك ينهى أهل العلم جميعاً عن تعلم الفلسفة والمنطق، ولكن لما ازدهر ذلك وانتشر بترجمة كتب اليونانيين في زمن الدولة العباسية قام الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله يرد عليهم، وهو ينهى الأمة عن تعلم الفلسفة والمنطق؛ فهو الذي قال: من تفلسف فقد تمنطق، ومن تمنطق فقد تزندق.
ومع هذا نجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية إماماً في الفلسفة والمنطق، بل هو الذي رفع عن الأمة حد الواجب الكفائي في الرد على الفلاسفة والمنطقيين؛ لأن ابن تيمية عليه رحمة الله إمام علم متبحر في علوم السنة والهدي فلا خوف عليه ولا لوم عليه أن يسد الثغرة التي ربما يؤتى الإسلام من خلالها في تعلم الفلسفة في ذلك الزمان، مخافة أن يتكلم الفلاسفة مع عامة المسلمين فيضلونهم عن دينهم، فأيد الله عز وجل دينه بهذا الإمام العلم المبجل، فرد عليهم تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ فسد هذه الثغرة على أهل الإسلام جميعاً؛ على علمائهم وعامتهم، ونصح لله عز وجل أيما نصيحة.
ولذلك أهل السنة لما كانت تظهر مسألة من المسائل التي يخشى على العامة منها كانوا يتعرضون لها بأي سبيل مشروع؛ حتى يحققوا الواجب الكفائي لنصح هذه الأمة في كل زمان ومكان.