[ضلال المؤولة لصفات الله تعالى]
ونحن نرغب عن الأمرين معاً، ولا نرضى بواحد منهما.
أي: لا نرضى بمذهب التعطيل ولا بمذهب التمثيل والتشبيه.
وقال آخرون: يجب علينا أن نطلب لما يرد من هذه الأحاديث إذا صحت من طريق النقل والسند تأويلاً.
قال أهل التأويل: القدم هاهنا يحتمل أن يكون المراد به: من قدمهم الله للنار من أهلها.
وهذا كلام سخيف وبارد.
قالوا: (حتى يضع الرب قدمه فيها) هذه اللفظة تعني: أن من علم الله سلفاً أنه من أهل النار فقدمهم إليها، فيقال لكل من قدمه الله قدم.
أنت نفسك لست مستفيداً من هذا التأويل ولن يدخل في ذهنك هذا، ولكن احذر ألا تفهمه، بل افهم أن هذا التأويل تأويل سامج وبارد، فيقولون: أن هذا القدم في هذا الحديث تعني من قدمه الله تعالى إلى النار.
يعني: من قذفه فيها.
قالوا: ولغة العرب تطلق القدم على السابقة من الأمر.
فنقول لهم: ماذا تقولون في الضمير؟ (حتى يضع الجبار فيها قدمه).
فالهاء تعود على الجبار.
وفي رواية: (حتى يضع الله عز وجل فيها رجله)؟ وقال النضر بن شميل في معنى قوله: (حتى يضع الجبار فيها قدمه).
أي: من سبق في علمه أنه من أهل النار، وهذا تأويل باطل.
قال الخطابي: وقد تأول بعضهم الرجل على نحو من هذا، والمراد به: عدد استيفاء الجماعة الذين استوجبوا دخول النار.
هذا في تأويل الرجل، قالوا: هذه الرجل بمعنى الجماعة، والعرب تسمي جماعة الجراد رجلاً، كما تسمي جماعة الظباء سرباً، واستعير ذلك لجماعة الناس.
أيتصور هذا الكلام؟! اعلم أن هذه الصفة قد عاد الضمير إليها، قال: (رجله) لم يقل: رجلاً، وقال: (قدمه) ولم يقل: قدماً، وأنتم تعلمون أن الضمير إذا أضيف إلى صفة مخصوصة يلزمها ولا يتعدى إلى غيرها بخلاف إطلاقه وعدم إضافته، كما لو قلت: قدم، يصح أن تقول قدم الله عز وجل وقدم المخلوقين، لكن إذا قلت: قدمي فإنه لا يفهم منها أنها قدم الله عز وجل، وإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: حتى يضع الله قدمه.
يدل على أنها قدم الله عز وجل، لأنها مضافة إلى الله عز وجل، فلا يصح صرفها عن هذا التخصيص مطلقاً.
وإن الإمام القرطبي من أعظم المتأولة، مع أن تفسيره في غاية الإمتاع، إلا أنه في صفات المولى عز وجل يجب التحذير منه، فله كتاب اسمه (الأسنى في أسماء الله الحسنى) قد بلغ في أسماء الله وصفاته مبلغاً عظيماً لم يسبق ولم يلحق به؛ فأثبت لله عز وجل أسماء وصفات لم يثبتها له رسوله ولم يثبتها لنفسه المولى عز وجل، وأنتم تعلمون أن الأسماء والصفات أمر توقيفي.
قال القرطبي: وقيل: إن هؤلاء قوم تأخر دخولهم في النار وهم جماعات؛ لأن أهلها يلقون فيها فوجاً فوجاً، كما قال الله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الملك:٨]، فالخزنة تنتظر أولئك المتأخرين الذين لم يدخلوا بعد في النار، إذ قد علموهم بأسمائهم وأوصافهم، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به ولم يبق أحد قالت الخزنة: قط قط.
لفظ الحديث أن الذي قال: قط قط هي النار.
قال: وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها، وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر، فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم لا أن الله تعالى جسم من الأجسام تعالى الله عن ذلك.
نقول: أنت تنزه الله تبارك وتعالى عن ذلك مع أن الله لم ينزه نفسه ولم ينزهه رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام عن هذا، كما أن إثبات القدم والرجل لله عز وجل لا يستلزم إثبات الجسم والجارحة.
وقال بعضهم: القدم: خلق من خلق الله تعالى، فمادام أن هناك مكاناً في الجنة فارغاً، وربنا تبارك وتعالى سينشئ خلقاً جديداً فيسكنهم الجنة حتى تكتفي الجنة فكذلك القدم والرجل إنما هما علم واسم على مخلوق جديد لله عز وجل يخلقه في ذلك الوقت فيلقيه في النار حتى تقول: قط قط.
وهذا تأويل آخر.
يعني: هذه القدم والرجل أسماء لمخلوقات جديدة سيخلقها الله عز وجل في حينها، حينما تقول جهنم هل من مزيد؟ فيخلق الله عز وجل لها خلقاً جديد قد استوجبوا النار، هذا الخلق يسمى الرجل تارة ويسمى القدم تارة أخرى! قال: القدم بخلق من خلق الله تعالى يخلقه يوم القيامة، فيسميه قدماً ويضعه في النار فتمتلئ منه.
قال ابن فورك: قال بعضهم: القدم: خلق من خلق الله يخلقه يوم القيامة فيسميه قدماً، ويضيفه إليه من طريق الفعل.
فقوله: (حتى يضع الجبار فيها قدمه) إضافة الضمير للفعل، وكذلك قوله: (حتى يضع الجبار فيها رجله) قالوا: إن هذا خلق جديد اسمه قدم واسمه رجل، والله تبارك وتعالى يأمر به فيلقى في جهنم، فإذا ألقي قالت النار: قط قط.
وقال بعضهم: المراد بالقدم هنا: قدم خلقه.
وهذا كذلك لا يصح أبداً، ولا يمكن أن يستقيم مع لغة العجم وليس العرب فقط؛ لأن من استوجب دخول النار دخلها كل بدنه، فهل تتصور أن رجليك كمخلوق تدخل النار، وأنت تدخل الجنة من غير رجليك؟! ومعلوم أن الناس في الجنة على أحسن منظر وأحسن هيئة، فلا يتصور أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (فيضع الجبار فيها قدمه).