[أقوال أبي بن كعب وابن مسعود وحذيفة وزيد بن ثابت في إثبات القدر]
والكلام في القدر من جهة الصحابة ثابت عن أبي بن كعب وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان وغيرهم.
قال:[قال ابن الديلمي: أتيت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر! إنه وقع في قلبي شيء من هذا القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه عني].
أي: أن ابن الديلمي ذهب لـ أبي بن كعب ليستنجد به، وأنتم تعلمون أن أبي بن كعب من كبار أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ومن الحفاظ المتقنين المتثبتين.
فهو يقول له: دخل في نفسي شيء من القدر فأرجو أن تتكلم حتى يزول عني؛ لأنه يعلم أنه باطل ولكن ربما دخلته الشبهة.
قال:[فقال أُبي: إن الله عز وجل لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم غير ظالم لهم].
وأهل السماوات هم الملائكة، وهؤلاء الملائكة جبلوا وخلقوا وكتبوا على الطاعة:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦] أي: أن المعصية لا تأتي من جهتهم قط، فعلام يُعذبون؟ ولكن لو أن الله عذبهم هل يكون ظالماً لهم؟ قال:[إن الله عز وجل لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وإن مت على غير ذلك دخلت النار].
قال ابن الديلمي: ثم أتيت ابن مسعود فحدثني بمثل ذلك، ثم أتيت حذيفة فحدثني بمثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني بمثل ذلك.
فهؤلاء الصحابة قد تكلموا في القدر هنا بكلام جميل جداً وممتع للغاية، ثم نجد أن مسائل القدر حاكت في صدور التابعين ومن بعدهم أيما حياكة، فكان من شأن علماء التابعين ومن بعدهم أنهم كفوا عن الكلام في القدر، وكان يوصي بعضهم البعض فيقولون: إذا ذُكر القدر فأمسكوا، وإذا ذُكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم -ورضي الله عنهم- فأمسكوا، فكانت هناك مسائل إذا ذُكرت لا يتكلم فيها أحد لا عن جهل، وإنما يرون أن ذلك باب عظيم للفتنة، فقلة الكلام فيه أولى من التصدي له.