[شرح حديث: (اجتنبوا السبع الموبقات)]
قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)]، أي: إياكم أن تقربوا هذه الموبقات المهلكات التي إذا اجتمعت على صاحبها، أو انفردت به واحدة منهن أهلكته ودمرته، والسبع الموبقات، أي: المهلكات.
قال: [(قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله)]؛ لأن الشرك بالله أعظم ذنب، وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى، كما قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].
والذي دون الشرك هو الكبائر والصغائر من الذنوب، أما الشرك فهو أكبر الكبائر على الإطلاق، وهو الذنب الذي لا يغفره الله، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:٤٨]، ومغفرة ما دون الشرك متعلق بالمشيئة، ولذلك قال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، وأصحاب الكبائر في مشيئة الله إن شاء عذبهم غير ظالم لهم، وإن شاء عفا عنهم متفضلاً عليهم سبحانه وتعالى.
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:٣١]، وغير ذلك من آيات الوعيد والتهديد فيمن أشرك بالله تعالى.
قال: [(اجتنبوا السبع الموبقات.
قيل: يا رسول الله! ما هن؟ قال: الإشراك بالله، والسحر)].
فتبين أن السحر له حقيقة، وله واقع، والعجيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر السحر بعد الشرك بالله، فكأنه من أخطر الذنوب والمعاصي.
ومن أهل العلم من ذهب إلى كفر الساحر، بل ذهب جماهير العلماء إلى أن الساحر كافر.
قال: [(وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)]، فكل نفس معصومة إلا ما أحل الله تعالى إزهاقها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
(النفس بالنفس) يعني: لا تقتل نفس إلا إذا قتلت، فتقتل حداً وقصاصاً بمن قتلتها.
(والتارك لدينه المفارق لجماعة المسلمين) هو المرتد.
و (الثيب الزاني) ولم يقل: الزاني؛ لأن مطلق الزنا قبل الإحصان لا يستوجب إلا الجلد مائة وتغريب عام على خلاف في التغريب، فإن بلاد الكفر لا يأمن المرء فيها على دينه، فكأنه في سياحة لا منفى.
أنت كنت تشعر بشيء مما يسميه الغرب: الحرية، فهذه كذبة، ولا تزال معلومة لأهل العلم وأهل الإيمان أنها كذبة وخدعة، والله ليست حرية مطلقة، ما قيمة الحرية إذا أعطتني هذه البلاد حرية الزنا، والقتل، والخمر، وأكل الخنزير، والتعامل بالربا؟ هذا هو السجن الحقيقي الذي يؤدي بصاحبه إلى نار جهنم عياذاً بالله.
فمهما عومل المرء في بلاد الإسلام بعنف وقوة وقسوة فهو خير له ألف مرة من بلاد يرى فيها في الظاهر الحرية، وهي ليست كذلك، أي حرية من يحكي لك الكبائر، ويقصها لك، ومستعد أن يقبل منك أي حل إلا أن تقول له: اذهب إلى بلادك وارجع إلى بلادك، فلا يقبل هذا الحل؛ لأنه ألف حياة المعاصي، وأنتم تعلمون أن المعصية الأولى تؤدي إلى الثانية، والثانية تؤدي إلى الثالثة وهكذا، ولا يزال المرء إذا عصى الله تعالى في أمر من الأمور يستعظم المعصية في أول الأمر، فالذي يزني مثلاً أو يشرب الخمر، كان مثلك تماماً قبل أن يزني أو يشرب، كان لا يستسيغه، لكن مرة مع الثانية مع الثالثة استساغه، وصار أمراً مألوفاً له، وكذلك الزاني إذا زنى أول مرة ارتعدت فرائصه، وظن أن الله تعالى لا يغفر له، ثم يمنيه الشيطان ويزين له المعصية مرة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة حتى يدمن الزنا، ولا يستغني عنه إلا من رحم الله.
ثم بعد ذلك هذا الشعور الإيماني الذي ارتجف منه في أول مرة لا يشعر به بعد ذلك، فيموت قلبه تماماً ولا يفكر في الله تعالى، ولا يفكر لا في جنة ولا في نار، إنما جنته هي فعله سائر المحرمات، نسأل الله العافية لنا ولكم.
فهذه الحرية التي يتمتع بها بلاد الغرب ما هي بالنسبة للمؤمن إلا نار جهنم، ولذلك أهل الإيمان لا يطيقون أبداً المكث في بلاد الكفر، وهم مأمورون أن يتركوا هذه البلاد، وأن يذهبوا إلى بلاد المسلمين، خاصة في هذه الأيام التي صارت فيها أوروبا وأمريكا بلاد حرب على الإسلام والمسلمين، ويجب على المسلمين والموحدين في كل بلاد أوروبا وأمريكا أن يتركوها وأن يعودوا إلى بلادهم شاءوا أم أبوا، فهذا حكم الله عز وجل.
قال: [(الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا)]، فالربا من أعظم الكبائر، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من أكل ديناراً من الربا وهو يعلم أنه ربا فهو أشد عند الله من ست وثلاثين زنية)، مَن مِن الناس يستشعر أنه وهو يأكل مال الربا أنه يقع في ذنب أعظم من ست وثلاثين م