للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأويلات النفس]

الشيخ مرعي الكرمي له كتاب: (أقاويل الثقات) وقد أصل لنفسه أصولاً وقعد قواعد ينبغي أن يخالف فيها، من هذه القواعد: أنه عد آيات صفات لله عز وجل من المتشابهات، وليس الأمر كذلك، والمحكم والمتشابه في صفات الله تبارك وتعالى له محاضرة خاصة.

قال: (ومن المتشابه: النفس).

وليس الأمر كما يقول.

بل هي من المحكمات، كما في قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤]، وقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١]، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨]، وقوله عز وجل: (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي).

قال أهل التأويل كما ذكر ذلك البيهقي -وهو أشعري المعتقد- النفس في كلام العرب على وجوه.

يعني: عند إطلاق كلمة النفس في كلام العرب لها معاني.

قال: نفس متفرقة مجسمة مروحة -لها روح- ومنها مجسمة غير مروحة، تعالى الله عن هذين.

وهو يريد أن ينزه الله تبارك وتعالى عن هاتين النفسين.

قال: ونفس بمعنى إثبات الذات.

يعني: نفس بمعنى الذات، وعليه فيقال في الله سبحانه: إنه نفس.

يعني: فسر النفس بالذات، لا أن له نفساً منفوسة أو جسماً مروحاً، وقد قيل في قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦].

أي: تعلم ما أخفيه في نفسي ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك، ففسر النفس بالعلم، وهذا تأويل آخر: أن النفس تفسر بالعلم.

وهذا كلام بعيد جداً؛ لأن العلم من لوازم النفس وليس هو النفس نفسها.

وقوله: (فِي نَفْسِكَ) للمشاكلة.

وقد قلنا: إن هذا الكلام مردود؛ لأن قوله تعالى: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) إن كان ورد على سبيل المشاكلة -أي: مقابلة النفس بالنفس- فإن النفس قد ذكرت في غير ما آية وحديث بغير مقابلة ولا مشاكلة.

قال: والمشاكلة وإن ساغت هنا لا تكون في غيره.

ومثله: (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي).

أي: حيث لا يعلم به أحد ولا يسأله عليه.

وقال الزجاج في قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨]، أي: ويحذركم الله إياه.

أي ذاته، ففسر النفس بالذات.

وقال السهيلي: النفس عبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد.

وهذا كلام في غاية الخطورة؛ لأنه سيثبت الذات المجردة عن الصفات -يعني يريد أن يقول: النفس هذه ليست صفة زائدة ثابتة لله تعالى- وقد استعمل من لفظها النفاسة والشيء النفيس، فصلحت للتعبير عنه تعالى.

وقال ابن اللبان: أولها العلماء بتأويلات، منها: أن النفس عبر بها عن الذات.

قال: وهذا وإن كان سائغاً في اللغة لكن تعدي الفعل إليها بـ (في) المفيدة للظرفية محال في حق الله عز وجل.

وهذا إبطال لذاك التأويل السابق.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في قوله عليه الصلاة والسلام: (إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن).

قال: أي تنفيسه الكرب.

فعبر عن نفس الله عز وجل بالتنفيس وتفريج الكربات.

وهذا بلا شك أمر بعيد جداً، وقد ظهر فيما مر أن النفس تطلق على الله مراداً بها الذات المتصفة بالصفات.

ومنهم من قال: إن إطلاق صفة النفس على الله عز وجل يلزم من ذلك أن يكون الله تعالى شخص، ولا حرج في كون الله تبارك وتعالى شخص والأدلة قد وردت بإثبات أن الله تعالى شخص كما في حديث: (لا شخص أغير من الله).

فلما علموا ذلك نكصوا على أعقابهم يؤولون الشخص مرة أخرى، يعني: هم ظنوا أولاً أن أهل السنة لا يوافقونهم على هذا الطرح بأن إثبات صفة النفس لله عز وجل يستلزم أنه شخص، فظنوا أن أهل السنة والجماعة يفزعون من هذه التسمية ويرفضونها، ففوجئوا بأن أهل السنة يقولون: وما المانع أن يوصف الله تعالى بأنه شخص وقد جاءت الأدلة بإثبات ذلك ومنها قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم: (لا شخص أغير من الله)، (لا شخص أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين).

(لا شخص أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة).

وهذا دليل يثبت أن الله تعالى شخص.

والإشكال أنك تتوهم في ذهنك شيء عن الله، ثم تنزل الله تبارك وتعالى منزلة ما تعرفه من نفسك، وهذا حرام ولا يجوز.

لما تكلمنا عن اليد استبشع بعض السامعين أن لله يد، مع أن الله قد أثبتها لنفسه، ولما تكلمنا عن العينين استبشع بعض السامعين أن لله عينين.

ما البشاعة في ذلك؟ البشاعة عندك أنت، لما وضعت في تصورك ومخيلتك أنك تثبت لله تبارك وتعالى صفة كصفتك وتظن عند سماعها بأن الله تعالى متصف بما خلقك أنت عليه، وهذا هو الذي لا يجوز، ولا ينبغي أن يخطر ببالك.

قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: إطلاق الشخص في صفة الله غير جائز؛ لأن الشخص لا يكو