للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إثبات مشيئة الله تعالى للشر كوناً والرد على المشركين والقدرية

وقوله تبارك وتعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:١٤٨] يحتج به المشركون يوم القيامة على أنهم لم يكونوا يعرفون، فقالوا: وجدنا آباءنا مشركين فأشركنا معهم، ولو شاء الله لهدانا ولكنه لم يهدنا.

((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا)) أي: لو أن الله أراد أن يهدينا لهدانا {وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:١٤٨] وكذلك آباؤنا لم يشركوا، ولكن الله كتب عليهم الشرك، وكتبه علينا من بعدهم.

وكذلك قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:١٤٨].

وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام:٣٥].

قال: [قال ابن عباس في قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:١٤٨]: وكذلك كذب الذين من قبلهم، ثم قالوا: لو شاء الله ما أشركوا، فإنهم قالوا: عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زلفى، فأخبر الله أنها لا تقربهم، قال تعالى: {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣].

وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:١٠٧].

يقول جل ثناؤه: ولو شئت لجمعتهم على الهدى.

وعن ابن عباس أنه سمع رجلاً يقول: الشر ليس بقدر، فقال ابن عباس: بيننا وبين أهل القدر هذه الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:١٤٨] حتى بلغ إلى قوله تعالى: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:١٤٩].

قال ابن عباس: والعجز والكيس بقدر].

أي: حتى العجز والكيس والحركة والسكون كل ذلك بقدر، فأولى أن يكون الإيمان والكفر بقدر، وأن تكون الطاعة والمعصية بقدر كذلك.

وفي قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩].

((فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ)) والذي شاء هنا هو العبد.

قال: [قال ابن عباس يقول الله تعالى: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء له أن يكفر كفر، وهو قوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠]].

إذاً تفسير هذه الآية: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، ولكن الله تبارك وتعالى علم أزلاً أن هذا العبد سيختار الشرك على الإيمان، فمهده ويسره له، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكل ميسر لما خُلق له) فهذا العبد خُلق للإيمان، والله تبارك وتعالى يسر له الإيمان، وهذا العبد خُلق للشر، فمال إليه واختاره على الإيمان، فيسره الله عز وجل له.