[رد ابن عثيمين على من أول الوجه بالذات]
تعرض الشيخ ابن عثيمين حفظه الله تعالى لرد هذه الشبهة بكلام ممتع وجميل جداً فقال: فإن قيل: ما المراد بالوجه في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨]؟ إن قلت: المراد بالوجه الذات، فيخشى أن تكون حرفت -يعني: عطلت- فإذا قلت: إن هذا الوجه عبارة عن الذات فيكون المعنى: إنه ذات بلا وجه، كما قال أحد المفسرين: إن الله تبارك وتعالى ليس له وجه، فالله تبارك وتعالى يثبت أن له وجهاً، وهو يقول: ليس لله تبارك وتعالى وجه.
وقال في قوله تعالى في سورة القصص: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨]، أي: إلا ذاته.
لأنه ليس لله وجه، إذ لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، فنفى الوجه عن الله تبارك وتعالى نفياً صريحاً، وقال: الوجه عبارة عن الذات حيث إنه لا وجه له؛ لأنه يلزمنا من إثبات الوجه أن نشبهه بالمخلوقين، ولما كان لا يشبه المخلوقين ولا يشبهه مخلوق يلزمنا نفي صفة الوجه.
ولذلك قال صراحة في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨].
أي: إلا ذاته؛ لأنه ليس لله وجه، إذ لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء.
وهذا الرجل الكبير هو فريد وجدي، وتفسير فريد وجدي يقع في مجلد عظيم، وقد سلك فيه مسلك الأشاعرة في كل الصفات، وقد نفى عن الله تبارك وتعالى صفة الوجه التي أثبتها الله تبارك وتعالى لنفسه، وأثبتها له رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.
يقول ابن عثيمين -رحمه الله-: إن قلت المراد بالوجه الذات فيخشى أن تكون حرفت، وهذا التحريف يستلزم التعطيل، وإن أردت بالوجه نفس الصفة -أي: صفة الوجه- وقعت في محذور، وهو ما ذهب إليه بعض من لا يقدرون الله حق قدره حيث قالوا: إن الله يفنى إلا وجهه.
يقول:
و
الجواب
إن أردت بقولك إلا ذاته يعني: أن الله تعالى يبقى هو نفسه مع إثبات الوجه لله، فهذا صحيح، ويكون هنا عبر بالوجه عن الذات لمن له وجه.
أي: بذات لها وجه.
وإن أردت بقولك الذات: أن الوجه عبارة عن الذات بدون إثبات الوجه، فهذا تحريف وهو غير مقبول.
أي: أن ابن عثيمين مشى على قاعدة: أن السلف يثبتون الصفة ولازمها، فهو يقول: إذا أردت بالوجه الذات فلا بأس بهذا المراد إذا كنت تثبت أن هذه الذات لها وجه، وأما إذا قصدت أن الوجه هنا يعني الذات المجردة عن الصفة فهذا تحريف وتعطيل.
إذاً: لا بأس أن تقصد بالوجه الذات، ولكن مع الإيمان بأن هذه الذات لها وجه.
وهذا كلام جميل ومقبول، وإن كنت لا أستريح راحة كاملة لهذا التأويل، وهذا التفسير والبيان، ولكني أؤمن بالصفة كما جاءت هكذا، ولكن يلزمني أن أجيب عن السؤال، وأقول: من قال: إن الهلاك يلزم كل شيء إلا الوجه، وأن الله تبارك وتعالى يهلك فقد كفر.
ويكون معنى الآية: إن الله تبارك وتعالى يهلك كل عباده ولا يهلك هو؛ لأن الهلاك صفة عجز ونقص، وهذا لا يجوز على المولى تبارك وتعالى، بل تبقى ذاته ويبقى وجهه، وربما يكون هذا صياغة أخرى لكلام الشيخ ابن عثيمين حفظه الله، ولذلك يقول: وعليه فنقول: {إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨]، أي: إلا ذاته المتصفة بالوجه، وهذا ليس فيه شيء.
والفرق بين هذا القول وبين قول أهل التحريف: إن هؤلاء يقولون: إن المراد بالوجه الذات ولا وجه لهذه الذات.
ونحن نقول: المراد بالوجه الذات المتصفة بأن لها وجهاً، فعبرنا به عن الذات.
أي: فعبرنا بالوجه عن الذات رداً على هذه الشبهة.
وهناك أدلة أخرى في كتاب الله عز وجل تدل على إثبات هذه الصفة -أي: صفة الوجه لله- ومنها: قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة:٢٧٢].
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} [الرعد:٢٢].
ومن السنة: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لما قسم النبي عليه الصلاة والسلام الغنائم يوم حنين قام إليه رجل وقال: يا محمد! إن هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله).
فأثبت الوجه لله.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ويحك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟).
يعني: إذا عم الظلم في الأرض فمن يعدل إلا الأنبياء والرسل؟ والشاهد من هذا: أن النبي عليه الصلاة والسلام أقره على سياق هذا الكلام وفهمه وأن لله وجهاً، وهذا الرجل هو زعيم الخوارج، ولما ولى قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليخرجن من ضئضئ هذا -أي: من صلبه وظهره- قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
قال: فإذا لقيتموهم فاقتلوهم).
وهم الخوارج.
فهذا إقرار من النبي عليه الصلاة والسلام لفهم هذا الرجل أن لله تعالى وجهاً.
ومنها: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الثلاثة الذين حبسوا في الغار، وقصتهم طويلة معروفة مشهورة، وقال كل واحد منهم: اللهم إن