[اختلاف المفسرين في معنى قوله تعالى:(فأينما تولوا فثم وجه الله) وبيان الصحيح منها]
اختلف المفسرون في آية واحدة، وهي قوله الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة:١١٥]، فقال بعضهم:((فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا)) أي: إلى أي مكان وليتم وجوهكم عند الصلاة، ((فَثَمَّ)) أي: فهناك وجه الله عز وجل.
ومنهم من قال: إن الوجه بمعنى الجهة، وإن معنى {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة:١١٥] أي: فثم الجهة التي وجهكم الله تعالى إليها، وهذا تأويل أيضاً، فأولوا {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة:١١٥] أي: فثم الجهة، فأولوا الوجه بالجهة، وقالوا: إن الوجه بمعنى الجهة؛ لقوله تعالى:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}[البقرة:١٤٨].
فلم يقل: لكل وجه هو موليه، ولكن قال: لكل وجهة.
فالوجه عند هؤلاء هو الجهة، أي: فثم جهة الله التي يقبل الله صلاتكم إليها، قالوا: لأنها نزلت في حال السفر، فإذا صلى الإنسان النافلة فإنه يصلي حيث كان وجهه، أو إذا اشتبهت عليه القبلة، فإنه يتحرى ويصلي، سواء كان ذلك في الفرض أو في النافلة.
والصحيح أن المراد بالوجه هنا هو وجه الله تبارك وتعالى الحقيقي، أي: إلى أي جهة تتوجهون فثم وجه الله تبارك وتعالى؛ لأن الله محيط بكل شيء، ولأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله يقبل عليه بوجهه، ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يبصق الرجل عن أمامه أو عن يمينه، ولكن إذا أراد أن يبصق فليبصق عن شماله أو تحت قدمه اليسرى، فإن الملائكة تلازم يمينه، وإن الله تبارك وتعالى من تلقاء وجهه.
فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة فيه واجتهدت وتحريت وصليت ثم بان أن القبلة خلفك فالله يكون قبل وجهك حتى في هذه الحال، ويقبل عليك بوجهه؛ لأنك قد بذلت ما في وسعك وتحريت ما أمكنك.