[رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه في الشفاعة]
قال: [عن سفيان بن عيينة قال: قلت لـ عمرو بن دينار: سمعت جابر بن عبد الله يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يدخل قوماً النار ثم يخرجهم منها)].
يعني: هل سمعته يقول ذلك وينقله عن النبي عليه الصلاة والسلام؟ [قال -أي: عمرو - نعم] والحديث في الصحيحين.
[عن حماد بن زيد قال: قلت لـ عمرو بن دينار: يا أبا محمد! سمعت جابر بن عبد الله يحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الله يخرج قوماً من النار بالشفاعة؟ فقال: نعم)].
(إن الله يخرج قوماً من النار) أي: بعد أن استحقوا دخول النار ودخلوها حقاً، فإنهم يخرجون بشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام.
والحديث في الصحيحين.
[عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج الله قوماً من النار بعدما امتحشوا فيدخلون الجنة)] أي: بعدما احترقوا في النار، فالله تعالى يخرجهم ويدخلهم الجنة.
[قال عمرو بن دينار: قال عبيد بن عمير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة).
قال: فقال رجل: يا أبا عاصم! ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ فقال عبيد بن عمير: إليك عني يا علج -أي: يا قبيح- فلولا سمعه من يتبين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حدثته.
قال سفيان: وقدم علينا عمرو بن عبيد ومعه رجل تابع له على هواه فدخل عمرو بن عبيد الحجر فصلى فيه وخرج صاحبه، وقام على عمرو بن دينار وهو يحدث هذا عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].
يعني: هذا الذي أتى إلى مكة مع عمرو بن عبيد صاحب هوى من أهل الاعتزال، سمع عمرو بن دينار يحدث عن جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أن الله عز وجل يخرج قوماً من النار بعد ما امتحشوا فيدخلهم الجنة)، فلما سمع هذا من عمرو بن دينار قال: ما هذا الذي تحدث به يا عمرو؟! قال: سمعت جابر بن عبد الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان السند قوياً ما استطاع هذا المبتدع أن يرد هذا الكلام، قال: إن لهذا الكلام معنى آخر؛ لأنه لم يستطع أن يرد أصل الكلام، فتكلم في معناه.
قال: هذا الكلام ليس على ظاهره، بل له معنى آخر لا يعرفه كثير من الناس.
قال: فقال الرجل لـ عمرو بن عبيد: وأي معنى لهذا الكلام، وفك ثوبه من يديه وفارقه.
[عن يزيد الفقير قال: كان قد شغفني رأي الخوارج -ومعنى شغفني: شغلني- ودخلت فيه، وكنت أعتقد صحة ما عليه الخوارج أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار.
قال: فكنت رجلاً شاباً، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً إلى سارية وإذا هو يذكر الجهنميين].
قصة الجهنميين أنهم يدخلون جهنم ويخرجون منها بشفاعة الشفاعين، ويدخلون في نهر يقال له: نهر الحياة، ينبتهم الله عز وجل فيه، ثم يسكنهم الجنة، فأهل الجنة يدعون هؤلاء بالجهنميين، أي: لمن استحقوا العذاب في جهنم، وقد خرجوا منها بشفاعة الشافعين.
قال: [فلما سمعت جابراً يحدث عن الجهنميين فقلت له: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما هذا الذي تحدثون وقال الله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران:١٩٢]؟] يعني: أنت تقول يا جابر! أن من دخل النار يخرج منها من أصحاب الكبائر، والله تعالى قد حكم عليه بالخلود في قوله: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران:١٩٢].
قال: [ولم يذكر بعد الخزي شيء آخر] أي: من النجاة.
[قال: فقال جابر: أي بني! أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم.
قال: فهل سمعت بالمقام المحمود الذي يخرج الله به من يخرج.
قال: ثم نعت وضع الصراط وممر الناس عليه.
قال: فأخاف ألا أكون حفظت، غير أنه قد زعم أن قوماً يخرجون من النار بعد إذ كانوا فيها.
قال: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهراً من أنهار الجنة، فيغتسلون فيه، ويخرجون كأنهم القراطيس البيض.
قال: فرجعنا، وما خرج منا غير واحد].
أي: رجعنا كلنا عن رأي الخوارج، لم يبق مع الخوارج منا إلا واحد فقط.
هذا هو الإشعاع النوراني الذي يصلح الله عز وجل به العباد على يد رجل واحد من أهل العلم، كما وقع من جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهذا الحديث [أخرجه مسلم].