[تفريق العلماء بين الإيمان والإسلام]
قال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤].
هذه الآية تدل على أن الإسلام لابد أن يكون معه أصل الإيمان.
قال: [وقال الزهري: الإيمان: العمل].
عرف الإيمان بالعمل، والزهري من أكابر أهل السنة، فقال: الإيمان هو العمل.
أي: عمل القلب وعمل الجوارح.
ولو أن إنساناً عمل بجوارحه جميع أعمال الطاعات التي تؤدى بالجوارح ولم يستقر الإيمان في قلبه لم يصلح إيمانه، بل لا يصلح إسلامه أيضاً، وإن استقر الإيمان في قلبه ولم ينطق بالشهادتين لم يصح إسلامه، فلو أن أحداً يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويعمل كل شيء ويجاهد ولكنه يبغض هذا كله فليس بينه فرق وبين عبد الله بن أبي بن سلول، فقد كان يصوم ويصلي ويزكي ويحج، بل كان يجاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام في ساحة الجهاد، ولكنه لم ينفعه ذلك؛ لأن أعمال الجوارح هذه كلها لم يستقر أساسها وأصلها في قلبه، بل كرهها وأبغضها، وإنما كان يفعلها نفاقاً ورياءً.
[قال الزهري: الإيمان: العمل.
والإسلام: الكلمة]، يعني: الإسلام يثبت بمجرد الكلمة.
والمبحث الذي تدور حوله المشكلة دائماً ليس في كيفية ثبوت الإسلام، بل الكل يعلم يقيناً أن الإسلام يثبت بالكلمة، بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، ولكن كيف يخرج المرء من الإسلام، فالقضية كلها في أحكام الردة، والمشكلات التي تثار حول الإيمان والإسلام كلها متعلقة بكيف يحكم بالردة على المسلم.
قال: [وعن الحسن البصري ومحمد بن سيرين أنهما كان يهابان مؤمن ويقولان: مسلم].
وهذا من باب كراهة التزكية، وأن الله تعالى أعلم بمن اتقى، وهؤلاء كانوا يقولون: نحن مسلمون، أو أنا مسلم، ولا يزكون أنفسهم بقولهم: أنا مؤمن.
وفي حديث جبريل لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام عرفه له وبينه، ثم سأله عن الإيمان فعرفه وبينه، ثم سأله عن الإحسان، وهذا يدل على أن كل محسن مؤمن، وليس كل مؤمن محسن، ويدل على أن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن.
وبين هذه الألفاظ والمصطلحات الثلاثة عموم من جهة وخصوص من جهة أخرى.
وأما إذا كان قول أحدهم أنا مؤمن من باب بيان الحال، وكذلك يؤدي إلى نفع المجتمع فإنه لا بأس أن يقول المرء: أنا مؤمن.
قال: [وبه قال من الفقهاء: حماد بن زيد ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وأحمد بن حنبل] أي: نفس هذا الكلام.