[سياق ما روي في القدري الذي يزعم أن الله لم يخلق أفعال العباد]
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [سياق ما روي في أن القدري الذي يزعم أن الله لم يخلق أفعال العباد] القدري هو الذي يزعم أن الله لم يخلق أفعال العباد ولم يقدرها عليهم، فمعتقد القدرية أنهم قالوا أولاً: إن الله لم يخلق أفعال العباد.
إذاً: هنا أنكروا مرتبة من مراتب القدر وهي الخلق.
وقولهم: (ولم يقدرها عليهم) إنكار لمرتبة المشيئة.
قال: [ويكذب بخلق الله لها، وينسب الأفعال إلى نفسه دون الله].
كأنه يقول: أنا خالق لفعل نفسي، بدليل: أنني لو أردت أن أقوم الآن لقمت، وإذا أردت ألا أقوم لا أقوم.
ونسي أن الله عز وجل قادر على أنه إذا هم بالقيام أقعده الله، وإذا كان واقفاً فأراد أن يجلس ما استطاع أن يجلس، وهذا يدل على أن الخلق بيد الله عز وجل لا بيد العباد، ولذلك جرت مناظرات بين سلفنا رضي الله عنهم وبين القدرية.
قال: [عن ابن عباس: كلام القدرية كفر].
لأنه لا ينكر مرتبة العلم ولا مرتبة الكتابة إلا كافر بالله عز وجل [وكلام الحرورية ضلالة].
وقال أيضاً: [لا أعرف الحق إلا في كلام قوم ألجئوا ما غاب عنهم في الأمور إلى الله تبارك وتعالى].
فهذا الكلام يصح أن يكون أصولاً سلفية لترشيد هذه الصحوة الإسلامية فيما يتعلق بمسألة الاعتقاد.
فقوله: لا أعرف.
وابن عباس إذا قال: لا أعرف، فمعنى ذلك: أن الذي لا يعرفه ابن عباس لا يكون ديناً.
قال: لا أعرف الحق إلا في كلام قوم ألجئوا - أي: فوضوا - ما غاب عنهم في الأمور إلى الله تبارك وتعالى.
يعني: الأمور الغيبية الاعتقادية نفوض الأمر فيها إلى الله عز وجل وإن كان ذلك أكبر من عقولنا.
قال: [وفوضوا أمورهم إلى الله، وعلموا أن كلاً بقضاء الله وقدره].
يعني: آمنوا بأن القضاء والقدر من عند الله عز وجل وإن كان ذلك أمر فوق طاقة عقولهم إلا أنهم يقولون سمعنا وأطعنا.
قال: [أتى عبد الله بن عباس على قوم يتنازعون في القدر.
فقال: لا تختلفوا في القدر، فإنكم لو قلتم: إن الله شاء لهم أن يعملوا بطاعته فخرجوا من مشيئة الله إلى مشيئة أنفسهم فقد أوهنتم الله بأعظم ملكه].
أي: وجد قوماً يتخاصمون في القدر فقال: لا تختلفوا في القدر؛ لأن اختلافكم لا يدور إلا على أمرين اثنين لا ثالث لهما، فإن قلتم: إن الله أمر العباد وشاء لهم أن يعملوا بطاعته فخرجوا من طاعته ودخلوا في معصيته بمشيئة أنفسهم فقد أوهنتم الله.
أي: سلبتم الله تبارك وتعالى أعظم ملكه وهي الربوبية.
[وإن قلتم: إن الله جبرهم على الخطايا]، وعلى فعل المعاصي، فإما أن تكون المعاصي من عند الله عز وجل، وإما أن تكون من عند العبد، فإن كان العبد يعمل المعصية بمشيئته وقدرته وإرادته وقضائه لنفسه وقدره على نفسه فإنه لا دخل حينئذ للإله وللرب تبارك وتعالى في أفعال العباد، فيكون العبد هو الخالق لفعل نفسه وليس الله عز وجل هو الذي خلق، وهذا سلب لصفة الربوبية عن الله عز وجل.
[وإن قلتم: إن الله جبرهم على الخطايا ثم عذبهم عليها لقلتم إن الله ظلمهم].
فالقدر ليس هو إلا أمرين اثنين: إما أن يشاء الله عز وجل ويخلق ويكتب ويعلم ويقدر، وإما أن يسلب ذلك ويخلق العبد فعل نفسه، وإما أن الله يجبر العبد على فعل الخطايا ثم يعذبه فإنه حينئذ ظالم، فلا تختلفوا حينئذ لأنكم بين شرين وبين ضلالتين، بل وبين كفرين.
قال: [ذكر ابن عباس رضي الله عنه القدر فقال: الزنا بقدر، وشرب الخمر بقدر، والسرقة].
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا إيمان لمن لم يؤمن بالقدر)، فالإيمان بالقدر فرض، والتكذيب به كفر، والكلام فيه بدعة، والسكوت عنه سنة.