[رواية أنس بن مالك رضي الله عنه في الشفاعة]
قال: [عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج قوم من النار بعد ما تصيبهم فيها -أي: بعدما تحرقهم النار- فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين)].
[عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة يلهمون لذلك)] أي: الله عز وجل يلهم أهل الإيمان أن يتعرف كل منهم على صاحبه، فيجتمعون ويقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا.
يعني: أن المؤمنين في هذا الموطن يعلمون أن لهم شفاعة عند الله عز وجل.
قال: [(فيأتون لآدم فيقولون: أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا.
فيقول: لست هناكم -يعني: لست أهلاً لهذه الشفاعة- وذكر لهم خطيئته التي أصاب -أي: أكله من الشجرة- ولكن ائتوا نوحاً.
فيقول: لست هناكم، وذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا خليل الرحمن إبراهيم.
فيأتون فيقول: لست هناكم، ويذكر خطايا أصابها، ولكن ائتوا موسى عبداً آتاه الله التوراة وكلمه تكليماً، فيأتون موسى عليه السلام، فيقول لهم: لست هناكم، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا عيسى رسول الله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى عليه السلام فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال: فيأتوني، فأنطلق إلى ربي -يعني: المؤمنون لهم شفاعة، ورب العزة له شفاعة، والنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث له شفاعة- فأستأذن على ربي، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجداً، فيدعني عز وجل ما شاء الله أن يدعني -يعني: يتركني ساجداً على هذه الحال، فألهم دعاء لم أدع به من قبل- ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع.
قال: فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة -الله عز وجل يجعل له قسماً ممن دخل النار، ويقول: هؤلاء نصيب شفاعتك خذهم وأدخلهم الجنة- ثم أرجع، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت له ساجداً -للمرة الثالثة- قال ثم أرجع فإذا رأيت ربي -للمرة الرابعة- قال: ثم أشفع فيحد لي خمس مرات، قال: ثم أرجع فأقول: يا رب! ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن)].
أي: إلا من حكم عليه القرآن بالخلود الأبدي في النار.
يعني: لم يبق في النار إلا الكفار.
وهذا الحديث [أخرجه البخاري ومسلم من حديث هشام].
[عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله)].
انظر إلى هذا الترتيب الذي نستفيد منه كذلك أن الإيمان يزيد وينقص.
قال: [(يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، ثم من كان في قلبه من الخير ما يزن برة -أي: من الإيمان والدين- ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ثم من كان في قلبه ما يزن ذرة)].
والمعلوم أن الذرة أقل من حبة القمح، فهذا يدل على أن الإيمان في القلب نفسه يتجزأ ويتبعض ويزيد وينقص.
[عن أنس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)].
وقال أنس مرفوعاً: [(يقول الله عز وجل: أخرجوا من النار من وحدني -أي: من كان موحداً، وأصحاب المعاصي موحدون- ومن خافني في مقامي)].
لأنه لا يخاف الله عز وجل إلا المؤمن وإن وقع في المعاصي.