للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تجديد دين أمة محمد على رأس كل مائة عام وتكليف هذه الأمة بالدعوة إلى الله]

إن أبا الحسن الأشعري عليه رحمة الله لما تاب من أشعريته ورجع عنها وصعد المنبر قال: إني أختلع من معتقدي كما يختلع هذا السيف من غمده وأنا على مذهب أحمد بن حنبل.

فلماذا لم يقل: على مذهب النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب

لأن مذهب أحمد بن حنبل كان أظهر المذاهب في ذلك الوقت، ومذهب أحمد بن حنبل من الألف إلى الياء مستقى من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فلما وقعت الفتنة العظيمة لـ أحمد بن حنبل وثبته الله فيها كتب الله له الظهور والذيوع والنصر والتأييد، فقال كل من يريد أن يظهر دينه وعقيدته: أنا مع أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه، فهنا الأمة لا تجتمع على ضلالة قط في العقيدة، إذ لابد أن تكون الحجة ظاهرة لله عز وجل، فخفاء حجة الله تبارك وتعالى في وقت أو في بلد من البلدان مشكلة كبيرة، وبلية عظيمة جداً، ومصادم لجميع النصوص.

فلابد أن تعتقد أن حجة الله تبارك وتعالى ظاهرة، وما من وقت وما من مكان إلا ويسخر المولى عز وجل عبداً من عباده لإظهار السنة وإحياء الدين ولو على رأس كل مائة عام، فهذا وعد من النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله تبارك وتعالى يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) فالأمة لن تستمر في الضلالة، ولن تبقى في الجهل يغيب عنها الدين ويغيب عنها العقيدة والسلوك والأخلاق ومنهج النبي عليه الصلاة والسلام.

فعلى رأس كل مائة عام يبعث الله تبارك وتعالى رجلاً يحيي هذا الدين بجميع أوصافه وأركانه وشمائله ومناقبه في قلوب العامة والخاصة، فإذا كادت الأمة تنسى بعث الله تبارك وتعالى على رأس كل مائة عام من يذكرها ومن يعيدها، بالإضافة إلى أن الله تبارك وتعالى كلف هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على خلاف الأمم السابقة، فكان كل نبي يبعث لقومه خاصة ولا يكلف واحداً من أمته بالدعوة إلى دينه وشريعته، لكن ذلك واجب في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تبارك وتعالى كلفنا بأن نحمل دعوة نبينا عليه الصلاة والسلام حملاً صحيحاً، فقال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠].

يعني: أنت أيضاً مخرج للناس مبعوث، ومهمتك مثل مهمة النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:١١٠]، وليس هناك أي أمة سبقت في هذا سواء يهودية أو نصرانية، ولم يكلف واحد من أمة من الأمم السابقة بأن يدعو بدعوة نبيها، وأما نحن فإننا مكلفون جميعاً بأن ندعو الناس إلى الله تبارك وتعالى، وأن نخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والعماية والجهالة والعصبية وغير ذلك إلى الله تبارك وتعالى إلى النور، لكن لابد أن يكون ذلك بعلم، أما بغير علم فلا فإن من دعا بغير علم كان ضرره أكثر من نفعه، وكان فساده أكثر من صلاحه، ولذلك يقول المولى تبارك وتعالى على لسان نبيه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:١٠٨] على علم وعلى فقه وورع وعمل بما تعلمت.