[رؤية العبد النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، وما تقوله الصوفية في معنى اليقين]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن من رآه في النوم فقد رأى الحق، والنبي حق صلى الله عليه وسلم، وأن الشيطان لا يتمثل به -أي: لا يأتي في صورته- وفيمن رآه وسأله عن القرآن فأجاب بأنه غير مخلوق من العلماء والسلاطين].
هذا باب عظيم في الرؤيا، والرؤيا من الله عز وجل، والحلم من الشيطان.
فالرؤيا التي هي من عند الله عز وجل مبشرات، وهي عاجل بشرى المؤمن، وهي منحة الله تبارك وتعالى لعباده الصالحين في الدنيا، ولا يعني ذلك: أن هذه الرؤيا يؤخذ منها الأحكام والعقائد، بل هي مبشرات فقط؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من رآني في المنام فسيراني حقاً، أو قال: فكأنما رآني في اليقظة؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي).
وقد يأتي إليك الشيطان ويقول لك: أنا النبي؛ وهو كذاب، أو يقول لك: أنا محمد، أو يقول: أنا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لك: كيت وكيت، ورفع عنك الصلاة والصوم والزكاة والحج، ورفع عنك كل شيء، ويقول: ما دمت قد بلغت درجة اليقين فليس عليك عبادة، فأنت رجل بلغت درجة لم يبلغها أحد من الأمة ولا حتى أنا.
فهؤلاء المجرمون يقولون: سقطت عنا التكاليف؛ لأننا بلغنا مرحلة اليقين، والله تعالى يقول: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩]، ونحن قد حصلنا على مرتبة اليقين التي ليس بعدها يقين؛ ولذلك وضعت عنا العبادة.
فنقول لمثل هؤلاء: هل بلغت من اليقين مبلغاً لم يبلغه النبي عليه الصلاة والسلام؟! إن عمر طعن وهو يصلي، وأبو بكر الصديق صلى إلى آخر لحظة في حياته، وكل الصالحين وأهل السنة يصلون ولم يرفع عن واحد منهم قط شيء، ولم يرفع عنهم خلق من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام فضلاً عن عبادة أو واجب أو فرض من الفروض، واليقين في الآية كما يفهمه القاصي والداني هو الموت.
فبعد الموت محاسبة على ما مضى من تقصير وتفريط، والصوفية يقولون: اليقين درجة من درجات التوكل على الله عز وجل، يبلغها المرء فيكشف له الحجاب، وكل هذا كذب.
فهذا عبد القادر الجيلاني -وهو ممن تزهد، وقد أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية عدة مرات- أتاه الشيطان في صورة شيء عظيم، فقال له: يا جيلاني! أنا ربك، وقد وضعت عنك كل شيء، فقال الجيلاني: اخسأ أي عدو الله! فذهب ولم ير شيئاً بعد ذلك.
وشيخ الإسلام ابن تيمية في ترجمة الجيلاني يثني عليه ثناءً قوياً، ويقول: هذه هي الولاية لله حقاً.
فالشاهد: أن الشيطان لا يتمثل في حقيقة النبي عليه الصلاة والسلام ولا يستطيع، لكن قد يأتي في صورة أخرى غير صورة النبي عليه الصلاة والسلام ويدعي أنه النبي، فقد ادعى أنه الله عز وجل، وقد ادعى أنه الإله، فكيف لا يدعي أنه نبي في صورة غير صورة النبي؟! فالشيطان قد يتمثل على هيئة أخرى ويدعي أنه محمد، ثم يلقي بعد ذلك مفترياته على ذلك الرائي أو صاحب الحلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني فإنما رأى الحق).
وقال عليه الصلاة والسلام: (الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).
فالرؤيا الصالحة يراها العبد لنفسه أو ترى له، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وهذه منحة من الله عز وجل.
وليس معنى ذلك: أن الذي يرى ستاً وأربعين رؤيا يكون نبياً؛ لأنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، ولكنها مبشرات.