للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من أنكر أن النبي سحر]

قال: [قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على أحد شيئاً) -يعني: أنا أكره أن أثير على أحد ولو كان يهودياً شيئاً تقوم به الفتنة- ونزلت: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:١ - ٢] إلى آخر السورة].

وهذا الحديث في صحيح البخاري، ومسلم.

والعجيب أن هذا الحديث أثار جدلاً لدى الأوساط العلمية، لكن في الحقيقة: لم يقل بتأويل هذا الحديث وصرفه عن ظاهره إلا كل إنسان فقد عقله، أو على الأقل لم تنضبط عنده الأصول العلمية السلفية.

فالكثير يستنكر هذا الحديث ويقول: هو حديث في غاية النكارة.

وليس في الحديث نكارة، ونحن قد علمنا أن الحديث في الصحيحين، اتفق عليه البخاري ومسلم، فكيف يحكم عليه بالنكارة، وإذا كان الحديث متفقاً عليه فهو في أعلى درجات الصحة؟ فكيف يحكم عليه بالنكارة لمجرد أن عقول هؤلاء لم تقبله؟ ولم يقل بإنكار هذا الحديث إلا المعتزلة والجهمية.

المعتزلة الذين اعتمدوا العقل أصلاً في قبول الأخبار أو ردها، فما وافق العقل من الأخبار قبلوه، وما رده العقل من الأخبار ردوه ولم يعتمدوه.

واعتبروا أن العقل حاكم على النص، والحقيقة عند أهل السنة: أن النص حاكم على العقل، وإلا لو كان العقل حاكماً على النص، فالعقول مختلفة ومتباينة، فما يقبل هذا لا يقبله ذاك والعكس بالعكس، وبالتالي: لا تنضبط الأمور العلمية، ولا تستقر الأحكام الشرعية، فيحصل اضطراب وخلل في المسائل الشرعية، بل في دين الله عز وجل كله.

ولذلك قبل العلماء هذا الحديث؛ لأنه قد توفرت فيه شروط الثبوت كلها، ومعلوم أن شروط القبول أو الثبوت كثيرة جداً اتفق العلماء على بعضها واختلفوا في البعض الآخر.

أما ما اتفقوا عليه بغير منازع فهو: شرط اتصال الرواية، وعدالة الرواة، وضبط الرواة، وانتفاء الشذوذ والعلة، هذه خمسة شروط اتفق عليها العلماء.

فهذا الحديث قد توفرت فيه هذه الشروط الخمسة.

واتفق البخاري ومسلم على إخراج هذا الحديث، وكما يقول العلماء: الأحاديث المتفق عليها عند البخاري ومسلم في أعلى درجات الصحة، ليس صحيحاً فحسب، بل في قمة درجات الصحة، فكيف ترد هذه الأخبار لمجرد التوهم العقلي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسحر؟ ثم يثيرون شبهة أخرى فيقولون: سحر النبي عليه الصلاة والسلام يؤدي إلى إبطال الشرع بعدم الوثوق في كلام النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله، وأنه يأتي نساءه ولم يأتهن، لكن يخيل إليه ذلك.

فما المانع أن يخيل إليه أن الله تعالى أوحى إليه وفي الحقيقة لم يوح إليه؟ فيتكلم بكلام يظن أنه وحي وليس الأمر كذلك.

هكذا أثاروا هذه الشبهة، والرد عليها: أن التخييل في السحر: هو من باب الأمراض التي تلحق الأنبياء، فإن الأنبياء يبتلون ويمرضون، ويعذبون، كما فعلت بنو إسرائيل في أنبيائها، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يمرض بالحمى وبالسخونة، وكان يوعك في فراشه وعك اثنين منكم، كما قال: (إني أوعك كما يوعك الاثنين منكم)، يعني: يتألم، وقال في سكرة الموت: (إن للموت لسكرات)، وكان يعاني منها عليه الصلاة والسلام.

والنبي صلى الله عليه وسلم جلس مدة من الزمان قبل أن يموت بساعات وهو مريض أصابته الحمى، وغير ذلك من الأمراض التي يشترك فيها الأنبياء مع غير الأنبياء.

وهذا أمر لا يؤثر على الوحي مطلقاً، ودليل ذلك: أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينس شيئاً مما أوحى الله تعالى به إليه، وكلفه أن يبلغ ذلك إلى الأمة.