[رواية أبي سعيد في إثبات صفة الساق لله تعالى]
قال البخاري: باب: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:٤٢]: قال: حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً).
أي: أن الله تبارك وتعالى يوم يكشف عن ساقه لأهل الإيمان وللمنافقين -أي: في المحشر- فإن كل مؤمن عندما يرى الله عز وجل ويعرف أن الله عز وجل هو هذا بساقه التي عرفهم بها في الدنيا، يقع كل مؤمن ومؤمنة ساجداً لله عز وجل؛ لأنهم يعرفون الله تعالى بهذه الصورة التي عرفهم بها في حياتهم الدنيا، ويذهب كل منافق ومعاند وجاحد ليسجد كما رأى أهل الإيمان يسجدون، والمنافقون الذين ما كانوا يصلون ولا يصومون إلا رياء وسمعة يذهبون ليسجدون، فيجعل الله تبارك وتعالى ظهورهم قطعة واحدة لا مقاطع ولا مفاصل فيها، فلا يتمكنون من السجود لله عز وجل، إذ السجود في هذا اليوم شرف عظيم، وبيان وتمييز لأهل الإيمان من أهل النفاق، فإنه لا يتمكن من السجود في ذلك اليوم إلا كل مؤمن ومؤمنة.
كما روى الإمام مسلم هذا الحديث، وكذلك أحمد في كتاب السنة من طريق عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يجمع الله الأولين والآخرين -أي: جميع الخلق- لميقات يوم معلوم قياماً أربعين سنة).
أي: يقفون أربعين سنة في الموقف.
قال: (شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فصل القضاء).
فانظر إلى هذا الحديث! إنه من أمتع ما يمكن أن تسمعه أذنك، فالله عز وجل يجمع الأولين والآخرين في الموقف لمدة أربعين سنة، وكل واحد منهم يشخص ببصره إلى السماء.
أي: ينظر إلى جهة العلو والفوقية لله عز وجل، ينتظرون من الله عز وجل أن يفصل وأن يقضي بين العباد.
قال: (فينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام).
ينزل ربنا تبارك وتعالى في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي، وهذا يعني أن العرش فوق الكرسي.
قال: (ثم ينادي مناد: أيها الناس! ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً أن يولي كل إنسان منكم ما كان يتولى ويعبد في الدنيا؟).
أي: ألا ترضون من الله عز وجل أن يلحق كل واحد منكم بمعبوده وإلهه الذي كان يعبده في الدنيا؟ قال: (أليس ذلك عدلاً من ربكم؟ قالوا: بلى.
قال: فلينطلق كل قوم إلى ما كان يعبدون ويتولون في الدنيا.
قال: فينطلقون، ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون، فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر وإلى الأوثان والحجارة، وأشباه ما كانوا يعبدون).
أي: أن الله تبارك وتعالى يجعل كل معبود في الدنيا عبد من دون الله يمثله على نفس الهيئة والشكل التي كان عليها في الدنيا، حتى يتعرف عليه كل مخلوق كان يعبده، فالذي كان يعبد الشمس يمثل الله تبارك وتعالى له الشمس، فيذهب إليها ليعبدها في ذلك، والقمر والأوثان والأصنام والحجارة والمقابر وغير ذلك فإن كل معبود يتبعه عابدوه في هذا اليوم ولا شك.
قال: (ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى).
أي: ما من نبي إلا وله شيطان، لكن النبي صلى الله عليه وسلم تغلب على شيطانه فآمن، ولم يثبت أن شيطان عيسى آمن، والذي كان يعبد عيسى بن مريم عليه السلام من دون الله عز وجل يتمثل له شيطان عيسى في صورة عيسى حتى يذهب إليه من كان يعبد عيسى فيعبد هذا الشيطان؛ لأن عيسى لا يرضى بذلك، بل قد تبرأ من عبادة النصارى له ولأمه، والله تبارك وتعالى قد أكرمه بأنه لا يعبد أمام عينه في هذا الموقف العصيب الرهيب، لكنه سبحانه مثل الشيطان في صورة عيسى، ولذا لما كان عيسى يعبد في الدنيا من دون الله عز وجل كان من العدل أن يلحق الله عز وجل من كان يعبد عيسى بشيطان عيسى حتى يقيم كل واحد منهم الحجة على نفسه.
قال: (ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويمثل لمن كان يعبد عزيراً شيطان عزير، ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيتمثل الرب جل وعز فيأتيهم فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا إلهاً).
أي: نحن لم نكن نعبد أحداً إلا الله عز وجل، (فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟).
ومن المعلوم أننا لا نعرف الله عز وجل، ويوم القيامة سيظهر لنا، فكيف نعرفه؟ باختلاف ذاته وصفاته عن ذوات جميع المخلوقات التي رأيناها.
لكن المسيح الدجال يقول: أنا ربكم.
لكنه أعور، وربنا ليس بأعور، وكذلك يأتي من الآيات ما يثبت صحة هذا القول في الظاهر، فيأتي بأشياء لا يمكن أن يفعلها إلا إله قادر، فيحضر رجلاً من أهل المدينة فيشقه نصفين حتى يل