البدعة شيء والعدالة في الرواية شيء آخر، فربما يكون المبتدع من أشد الناس في روايته، ولذلك يقول الإمام الشافعي: رواية أهل البدع الأصل فيها الرد ما لم يوافق الثقات إلا الخوارج، مع أن الخوارج هؤلاء من شر خلق الله كذلك، ولكن الأصل عندهم تكفير مرتكب الكبيرة، والكذب المتعمد في حديث الناس كبيرة، فما بالك في حديث النبي عليه الصلاة والسلام، فهم مع بدعتهم لا يكذبون قط في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا يكذبون في حديث الناس، فكيف يكذبون على الله ورسوله؟ فلما اطمأن أهل السنة إلى أن رواية الخوارج ليس فيها كذب ولا تدليس ولا خيانة ولا غش احتملوها؛ لأنهم من جهة الرواية ثقات عدول، وأما من جهة الاعتقاد فهم على بدعة، وأهل السنة يقولون: لا بأس بحمل الرواية عن المبتدع ما لم يكن داعية إلى بدعته، وما لم تكن روايته مؤيدة لبدعته، مثل أن يأتي حنفي مثلاً يروي بالسند المتصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويقول:(سيخرج في أمتي رجل يسمى محمد بن إدريس هو أشد عليها من إبليس).
ومحمد بن أدريس هو الشافعي، فهذا الكلام فضلاً عن نكارته الظاهرة فإن رواته أحناف وكذابون فلا يقبل، ولم يرد الشافعية عليهم، يعني: لم يردوا عليهم الكذب بالكذب والاختراع بالاختراع.