أي هذا باب معقود في بيان أن النصح لمن سيأتي من شُعب الإيمان والدين المذكور في الحديث بمعنى الإيمان، وفي تركيب الحديث تقديم وتأخير كما سنبينه، وإنما عدلنا إلى هذه الترجمة لتوافق ترجمة كتاب الإيمان، وترجم للحديث الآتي النووي والقاضي وأكثر المتون بقولهم (بابُ بيانِ أن الدين النصيحة) وهكذا ترجم له الأبي والسنوسي، وفي بعض المتون إسقاط هذه الترجمة وهو خطأ من النساخ، لأن هذا الحديث لا يدخل في الترجمة السابقة، وأدخل القرطبي هذا الحديث في الترجمة السابقة حيث قال:(بابٌ المحبة في الله تعالى والنصح من الإيمان) وهي أولى وأدق، وترجمتي أخصر وأوفق للمقام أيضًا.
والنصح والنصيحة كلاهما مصدرٌ سماعي لنصح، من باب فتح، يقال: نصح ينْصحُ نصيحةً ونُصحًا بضم النون، فأما نصحْتُ الثوب فمصدره نَصحًا بفتح النون قاله الجوهري، قال الخطابي: النصيحة كلمة يُعبر بها عن جملةٍ هي إرادة الخير للمنصوح له، وهي في اللغة الإخلاص من قولهم: نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط، قال نفطويه: يقال نصح له الشيء إذا خلص، ونصح له القول إذا أخلصه له من الغش، واصطلاحًا: إرادة الخير للغير، وقيل: هي مأخوذة من النصح بالفتح وهي الخياطة، والإبرة المِنصحة، والنصاح الخيط الذي يُخاط به، والناصح الخياط، فكان الناصح لأخيه يلمُّ شَعثه ويضمه كما تضم الإبرة خرق الثوب، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب، فالنصيحة كلمة وجيزة تجمع معاني كثيرة، كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه.
(١٠٥) - س (٥٤)(حدثنا محمد بن عباد) بن الزِّبِرْقَان (المكي) نزيل بغداد أبو عبد الله، روى عن سفيان بن عيينة ومروان بن معاوية وحاتم بن إسماعيل وأنس بن عياض والدراوردي وأبي صفوان الأموي وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) له في (ح) فرد حديث، وأحمد بن سعيد الدارمي وأحمد بن علي المروزي وغيرهم، وقال في