و(ما) في قوله: (ما أَكْثَرَ ما جَمَعَ فلانٌ) تعجُّبيَّةٌ في محلّ الرفع مبتدأ، وجملةُ فعل التعجُّب خبرُ (ما)، وتقديرُ الكلام: ولا أَحْسِبُ كثيرًا من الناس مِمَّنْ يُعَرِّجُ ويستمرُّ على نشرِ ما وَصَفْنَا وذَكَرْنَا من الأحاديث الضعيفة والأسانيد المجهولة ويَهْتَمُّ بروايتها بعد معرفته ما فيها من التوهنِ والضَّعْفِ إلَّا كونَ الحاملِ له على روايتها والاهتمام بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، وإرادة قولهم فيه: ما أَكْثَرَ ما جَمَعَهُ فُلانٌ من الحديث وأَلَّفَه من العدد الكثير! أي: ما أَظُنُّ حاملَه على ذلك إلَّا إرادة التكثُّر بذلك عند العوامّ وقولهم فيه: ما أَكْثَرَ ما جَمَعَ فلانٌ وأَلَّفَه من العدد!
(ومَنْ ذَهَبَ) وقَصَدَ (في) هذا (العِلْمِ) أي: في عِلْمِ الحديثِ (هذا المَذْهَبَ) أي: هذا القصدَ؛ أي: إرادةَ التكثُّرِ بذلك عند العوامّ وقولهم فيه: ما أَكْثَرَ ما جَمَعَ فُلان (وسَلَكَ هذا الطريقَ) أي: دخل هذا السبيل المذموم من نشرِ الأحاديث الضعيفة والأسانيد المجهولة ( .. فلا نَصِيبَ له) أي: فلا حَظَّ له؛ أي: لذلك القاصِد ذلك المقصد (فيه) أي: في هذا العلم (وكان) ذلك القاصد، والجارُّ والمجرورُ في قوله:(بأَنْ يُسَمَّى جاهلًا) مُتَعَلِّقٌ بقوله: (أَوْلى) الَّذي هو خبرُ كان؛ أي: وكان ذلك القاصدُ أَوْلَى وأَحْرَى وأَحَقَّ بتسميتِه جاهلًا (مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إلى عِلْمٍ) من العلوم ويقال فيه: فلانٌ عالمَّ مُحَدِّث، فعِلْمُه زيوف لا نقود، وقَصْدُه خبيثٌ لا طيب.
فصل في المسائل المَنْثُورَة والجُمل التي تتعلِّقُ بهذا الباب:
الأُوْلى منها: قال النووي: (اعْلَمْ: أن جَرْح الرواة جائزٌ، بل واجبٌ بالاتفاق؛ للضرورة الداعية إليه لصيانة الشريعة المكرمة، وليس هو من الغيبة المُحَرَّمة، بل من النصيحة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولم يَزَلْ فضلاء الأمة وأخيارُهم وأهلُ الورع منهم يفعلون ذلك كما ذكر مسلمٌ في هذا الباب عن جماعات منهم ما ذكره.
ثمَّ على الجارح تقوى الله تعالى في ذلك، والتَّثَبُّتُ فيه، والحذرُ من التساهل