أي باب معقود في بيان أنه (من لقي الله تعالى) ومات حالة كونه (عالمًا) وموقنًا بوجوده بصفاته الكمالية (غير شاك فيه) أي في وجوده تعالى (دخل الجنة) جواب من الشرطية (أولًا) أي بلا سبق دخول نار (إن كان بريئًا من) الذنوب (الكبائر) الموبقات وغيرها (أو عملها) أي عمل الكبائر (و) لكن (تاب عنها) توبة نصوحًا (أو) لم يتب عنها ولكن (أدركه العفو) والغفران من الله تعالى بمحض فضله وكرمه (أو) دخل الجنة (بعد عقوبته) ومجازاته (عليها إن لم يتب عنها) أي عن تلك الكبائر (ولم يدركه العفو) والغفران (من الله تعالى).
وحقيقة العلم هي وضوح أمر ما وانكشافه على غايته بحيث لا يبقى له بعد ذلك غاية في الوضوح، ولا شك في أن من كانت معرفته بالله تعالى ورسوله كذلك كان في أعلى درجات الجنة، وهذه الحالة هي حالة النبيين والصديقين ولا يلزم فيمن لم يكن كذلك ألا يدخل الجنة فإن من اعتقد الحق وصدق به تصديقًا جازمًا لا شك فيه ولاريب دخل الجنة كما قدمناه وكما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة:"من لقي الله وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله غير شاك فيهما دخل الجنة" وكما قال: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه أبو داود (٣١١٦) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فحاصل هذين الحديثين أن من لقي الله تعالى وهو موصوف بالحالة الأولى والثانية دخل الجنة، غير أن هناك فرقًا بين الدرجتين كما بين الحالتين كما صرحت به الآيات الواضحات كقوله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: ١١] اهـ قرطبي. وترجم النواوي لهذا الحديث بقوله:(باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا).