اشتراط المماثلة (ولا تبيعوا شيئًا غائبًا) أي مؤجلًا (منه) أي من المعقود عليه (بناجز) أي بحال، وفيه دلالة على اشتراط الحلول في العوضين (إلا يدًا) أي إلا حالة كون كل منهما مقبوضًا (بيد) عن يد أي إلا مقبوضين، وفيه دلالة على اشتراط التقابض في المجلس فالحديث دل على الشروط الثلاثة المعتبرة في حالة اتخاذ جنس العوضين في الربوي.
قوله:(إن ابن عمر قال له رجل) الخ ولعله قال ذلك له لأن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم كانا يقولان بجواز التفاضل في الأموال الربوية إذا كان البيع يدًا بيد تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ربا إلا في النسيئة" كما سيأتي مصرحًا به عند المصنف في أواخر هذا الباب وسنذكر هناك إن شاء الله تعالى أنهما قد رجعا عن ذلك.
[فصل في بيان اختلاف الفقهاء في علة ربا الفضل]
ثم إن حرمة التفاضل والنسيئة مقتصرة في الحديث على الأشياء الستة المذكورة فاختلفت فيه أنظار الفقهاء، فقال طاوس وقتادة: إن الحرمة مقصورة على هذه الأشياء الستة الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ولا تتعدى إلى غيرها وبه قال داود الظاهري ونفاة القياس كما في المغني لابن قدامة [٤/ ٢] وهو قول الشعبي ومسروق وعثمان البتي أيضًا كما في عمدة القاري [٥/ ٤٩٠] فيجوز عندهم بيع الذرة بالذرة متفاضلًا لأن الحديث لم يذكر الحرمة إلا في الأشياء الستة فيبقى ما عداها على أصل الإباحة لقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ}.
واتفق القائلون بالقياس على أن الحرمة في هذه الستة معللة بعلة فكلما وُجدت تلك العلة في غيرها من الأشياء ثبتت الحرمة لأن القياس دليل شرعي فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته في كل موضع وُجدت العلة فيه، ثم اختلف المعللون في تعيين العلة على أقوال أربعة: الأول: إن العلة في الذهب والفضة الوزن مع الجنس وفي الأشياء الأربعة الكيل مع الجنس وهو قول أبي حنيفة وأحمد والثوري والنخعي والزهري وإسحاق بن راهويه فعلى هذا القول يجري الربا في كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه مطعومًا كان أو غير مطعوم كالحبوب والنورة والقطن والصوف والورس والحناء والعصفر
والحديد والنحاس والرصاص والياقوت وسائر الجواهر ونحو ذلك.