لما كان البيع والمزارعة والمساقاة والشفعة من وسائل اكتساب المال بالمال أو بالجهد والعمل أعقب المؤلف رحمه الله تعالى ذكرها بذكر ما يحصل به المال بغير مال ولا جهد أو عمل وهو الميراث والهبة والوصية ولذلك جاء بكتاب الفرائض بعد البيوع والمساقاة، ثم أعقبه بكتاب الهبة وكتاب الوصية.
(واعلم) أن علم الفرائض من أهم العلوم الدينية ومن أعظم أسباب المعيشة والمعاشرة الإنسانية ولذلك اهتمت به الشريعة الإسلامية اهتمامًا قلما يوجد في أبواب أخرى ولذلك نرى القرآن الكريم يكتفي في أكثر أبواب الأحكام ببيان أصول كلية دون التعرض للجزئيات والتفاصيل إذ نشاهده في باب الفرائض يهتم ببيان جزئياته وتفاصيله الدقيقة، ويصرّح بذكر السهام لكل واحد من الأقرباء في بسط واستقصاء.
وكذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم بتعلم الفرائض وتعليمها مستقلة عن الأبواب الأخرى فقد أخرج النسائي والترمذي وأحمد والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تعلموا الفرائض وعلّموها الناس فإني امرؤ مقبوض".
والفرائض: جمع فريضة بمعنى مفروضة لا فارضة فهي فعيلة بمعنى مفعولة لا بمعنى فاعلة مأخوذة من الفرض بمعنى التقدير لأن الفرض لغة: التقدير قال تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي قدرتم يقال: فرض القاضي النفقة أي قدرها، ويطلق الفرض بمعنى القطع يقال: فرض العود بمعنى قطعه، وشرعًا: اسم لنصيب مقدر لمستحقه كالنصف والربع والثُّمن، وخرج بالمقدر التعصيب فإنه ليس بمقدر بل يأخذ العاصب