الحمد لله الذي شرح صُدورَ أصفيائه، بمعاني سُنَنِ خيرِ أنبيائه، وفَتَح قُفْلَ قلُوبهم بمفاتيحِ الفيوضاتِ، ومَتَّعهم بصُنُوفِ المعارِفِ الإلهيات، وأَذاقَهم كُؤُوسَ ودَادِه الشَّافِيات، الَّتي مَنْ ذاقها رَمَى الدنيا، خَلْفَ القفا، وسَلَك طريقَ المصطفى. والصلاةُ والسلامُ على مَنْبَعِ الحِكَم والأَحكام، سيدنا محمد علَم الهُدى ومَنَارِ الإسلام، وعلى آله الساداتِ الكِرام، وأصحابه الأئمَّةِ الأعلام، وتابعِيهم إلى يوم العَرْضِ ِوالقيام، ما طَلَع وناء نَجْمٌ في دُجَى الظلام، وتَشمَّر دَاعِي اللهِ في نَادِي العِلْمِ وقام.
أمَّا بعد: فلمَّا فرغْتُ من كتابة المجلد الرابع من شرحِ هذا الجامع الصحيح تفرَّغْتُ إِن شاء الله تعالى لِبدايَةِ تسطيرِ المجلد الخامس بقَلَم ما عندي من قطرات الفيض ورَشحات العلوم متبركًا بخدمةِ أحاديثِ الرسول صلى الله عليه وسلم فِيما بَقِيَ لي مِنْ بقَايا العُمْر مستمدًا من الله سبحانه التوفيق والسداد إلى أقوم طريق. فقلت: وقولي هذا: -
[كتاب الصلاة]
أي هذا كتاب معقود في بيان الأحاديث الواردة في الصلاة، قد تقدم لك في أول كتاب الإيمان أن الكتابَ اسم لجنس من العلم، والباب نوعٌ منه داخلٌ تَحْتَهُ فكتاب الصلاة هنا جنس يشمل جميع الأبواب المذكورة من هنا إلى كتاب الزكاة، والأصلُ في وجوبها قولُه تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي ائْتُوا بها مُقوَّمة مُعدَّلةً بحيثُ تكون مستوفيةً للشروط والأركان، وخبرُ "فَرض الله عليّ وعلَى أمتي خمسين صلاة فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيفَ حتى جَعلَها خمسًا" فكان في وقت الصبح عَشْر صلوات، وفي وقت الظهر كذلك وهكذا فنُسخت بمراجعتِه صلى الله عليه وسلم حتى صارت خمسًا، وكانت مراتُ المراجعة تسعًا وفي كل مرة يَحُطُّ سبحانه وتعالى خمسًا، وفُرضت الصلاةُ ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنةٍ وقيل بستةِ أشهر، وإنما لم يجب صُبْحُ يومها لاحتمالِ أن يكون