المقدّمة الثالثة مقدّمة العلم
ينبغي لكُلِّ شارع في فَنٍّ من الفنون أن يعرف المبادئ العشرة المشهورة؛ ليكونَ على بصيرةٍ فيه من أَول الأمر، وإِلَّا .. صار كمَنْ ركب متن عمياء، وخبط خبط ناقة عشواء، وهي: الحَدُّ، والموضوع، والثمرة، والفضل، والنسبة، والواضع، والاسم، والاستمداد، وحكم الشارع، والمسائل.
وقد جَمَعَها محمد بن علي الصبَّان في هذه الأبيات فقال:
إِن مَبَادِي كُلِّ فَنٍّ عَشَرَهْ: ... الحَدُّ، والموضوعُ، ثُمَّ الثَمَرَهْ
وَفَضْلُه، ونِسْبَةٌ، والوَاضِعْ ... والاسمُ، الاستمدادُ، حُكْمُ الشارِعْ
مسائلٌ، والبعضُ بالبعضِ اكْتَفَى ... ومَنْ دَرَى الجميعَ حَازَ الشَّرَفا
فالآن نشْرَعُ في علم الحديث ونقول:
علم الحديث نوعان: علمُ الحديثِ روايةً، وعلمُ الحديثِ درايةً.
فأمَّا عِلْمُ الحديثِ روايةً وهو الذي نُريدُ الشُّروعَ فيه:
فحَدُّه: هو عِلْمٌ يشتملُ على ما أُضِيفَ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا أو تقريرًا؛ أي: يشتملُ على رواية ذلك في نَقْلِهِ وضَبْطِهِ وتحريرِ ألفاظه.
وموضوعهُ: ذاتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث أقوالُهُ وأفعالُه وتقريراتُه.
وثمرتهُ -أي: فائدتهُ-: الاحترازُ عن الخطإ في نَقْلِ ذلك، وقيل: فائدتهُ: الفوزُ بسعادةِ الدارين كما في "التدريب" (١/ ٤١).
وفضلهُ: فَوَقَانه على سائر العلوم.
ونسبتهُ: تباينُه لسائر العلوم.
وواضعُه: محمدُ بن شِهابِ الزهْرِيُّ في خلافة عُمر بن عبد العزيز؛ أي: إِنه أول