وفي بعض النسخ بدل هذه الترجمة باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر وعلامات الساعة، أي هذا باب معقود في بيان معنى الإيمان والإسلام والإحسان شرعًا فمقصود هذا الباب إيضاح معاني هذه الأسماء في الشرع دون اللغة، فإن الشرع قد تصرف فيها على ما يأتي بيانه، وأما معنى الإيمان لغة فقد تقدم لك، وأمّا الإسلام فهو لغة الاستسلام والانقياد، وأما الإحسان فهو لغة جعل الشيء حسنًا والإتيان به جيدًا يقال أحسن في كذا إذا أجاد فعله، وباب معقود في بيان وجوب الإيمان بالقدر أي بثبوت صفة القدر لله تعالى، والقدر بفتح الدال وإسكانها لغة مصدر قدرت الشيء إذا أحطت بمقداره واصطلاحًا عبارة عن تعلق علم الله سبحانه وتعالى وإرادته أزلًا بالكائنات قبل وجودها فلا حادث إلَّا وقد قدره سبحانه وتعالى أزلًا أي سبق علمه به، وتعلقت به إرادته قال السنوسي: وقيل إنَّ القضاء عبارة عن جمع الكائنات كلها في اللوح المحفوظ، والقدر عبارة عن إيجادها شيئًا فشيئًا، وقيل عكسه، ولهذا يُمثل الشيوخ القضاء والقدر على هذين القولين بصبرةٍ مجموعة ثم تفصيلها بالكيل شيئًا بعد شيء وقيل القضاء والقدر مترادفان، وقال القاضي عياض: وزعم كثير أن معنى القدر جبر الله تعالى للعبد على ما قدره وقضاه وليس كذلك اهـ قال الأبي: يريد القاضي وإنما هو ما تقدم من تعلق العلم فمجموع ما في القدر من الأقوال مع ما ذكره القاضي عن كثير أربعة.
والقول بالقدر وإثباته كان عقيدة أهل الإسلام كلهم إلى أن ظهرت طائفة آخر زمن الصحابة فقالت: لا قدر في الأزل، وإنما الأمر أُنُفٌ بضم الهمزة والنون بمعنى مستأنف لم يسبق به قدر بمعنى أن الله تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها وإنما يعلمها بعد أن تقع، قال القاضي عياض: وقال بمذهب هذه الطائفة الجهمية وقوم من الرافضة وطائفة من المعتزلة، وهذا هو الجزء الثاني من أجزاء الترجمة وباب معقود أيضًا في بيان الدليل