قوله (فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب) الرواية الصحيحة فيه (فإنَّه) بضمير المذكر على أن يكون ضمير الأمر والشأن ويحتمل أن يعود على مذكر الدعوة فإن الدعوة دعاء، ووقع في بعض النسخ (فإنها) بضمير المؤنث وهو عائد على لفظ الدعوة، ويستفاد منه تحريم الظلم وتخويف الظالم وإباحة الدعاء للمظلوم عليه والوعد الصدق بأن الله تعالى يستجيب للمظلوم فيه غير أنَّه قد تعجل الإجابة فيه، وقد يؤخرها إملاءً للظالم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" رواه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ثمَّ قرأ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ}[هود: ١٠٢]. وكما قد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال:"إن الله تعالى يرفع دعوة المظلوم على الغمام ويقول لها لأنصرنك ولو بعد حين" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
قال القاضي عياض وفي الحديث أن الشهادتين يعصمان الدم وأن أحدهما لا تعصم وأن تمام الإيمان بالتزام قواعده، وأن الشهادتين دونها لا تنفعان، قال الأبي: انظر عدم نفعهما فإنَّه منافٍ أنهما يعصمان الدم والمشهور عندنا فيمن أقر بالشهادتين وأبي بقية الخمس أنَّه يقتل لكن بعد التشديد عليه، وقال أصبغ: لا يقتل، وقال المُتَيطِيُّ: والعمل على المشهور، وأما أن إحداهما لا تعصم فتقدم أن عند الشافعية من قال لا إله إلا الله هو مسلم، ويطالب بالأخرى فإن أبي منها قتل، ولهم قول آخر أنَّه لا يقتل انتهى.
[(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)]
قال النواوي ويستفاد من هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وفيه أن الوتر ليس بواجب لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به، وفيه أن السنة أن الكفار يُدعون إلى التوحيد قبل القتال وفيه أنَّه لا يحكم بإسلامه إلا بالنطق بالشهادتين وهذا مذهب أهل السنة كما قدمنا بيانه في أول كتاب الإيمان، وفيه أن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة وفيه بيان عظم تحريم الظلم وأن الإمام ينبغي له أن يعظ ولاته ويأمرهم بتقوى الله تعالى ويبالغ في نهيهم عن الظلم ويُعرفهم قبح عاقبته، وفيه أنَّه يحرم على الساعي أخذ كرائم الأموال في أداء الزكاة بل يأخذ الوسط ويحرم على رب المال إخراج شر المال وفيه أن الزكاة