لا تدفع إلى كافر ولا تدفع أيضًا إلى غني من نصيب الفقراء، واستدل به الخطابي وسائر أصحابنا على أن الزكاة لا يجوز نقلها من بلد المال لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فترد في فقرائهم" ولكن هذا الاستدلال ليس بظاهر لأنَّ الضمير في فقرائهم محتمل لفقراء المسلمين، ولفقراء أهل تلك البلدة والناحية، وهذا الاحتمال أظهر، واستدل به بعضهم على أن الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحج وتحريم الزنا ونحوها لكونه - صلى الله عليه وسلم - قال:"فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن عليهم" فدل على أنهم إذا لم يطيعوا لا يجب عليهم، ولكن هذا الاستدلال ضعيف فإن المراد أعلمهم أنهم مطالبون بالصلوات وغيرها في الدنيا، والمطالبة في الدنيا لا تكون إلا بعد الإِسلام، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها يُزاد في عذابهم بسببها في الآخرة، ولأنه رتب ذلك في الدعاء إلى الإِسلام وبدأ بالأهم فالأهم، ألا تراه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالصلاة قبل الزكاة، ولم يقل أحد أنَّه يصير مكلفًا بالصلاة دون الزكاة والله أعلم.
ثمَّ اعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه وهذا قول المحققين والأكثرين، وقيل ليسوا مخاطبين بها، وقيل مخاطبون بالمنهيِّ دون المأمور والله أعلم قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: وهذا الذي وقع في حديث معاذ من ذكر بعض دعائم الإِسلام دون بعض هو من تقصير الراوي وقد بينا الرد عليه عن القرطبي فيما تقدم فراجعه والله أعلم.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه فقال:
(٣٠) - متا (. . .)(حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله نزيل مكة، روى عن بشر بن سري ومروان بن معاوية وعبد العزيز الدراوردي وعبد الوهاب الثقفي وسفيان بن عيينة ومعن بن عيسى وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وهلال بن العلاء ومفضل بن محمَّد الجندي وأبو حاتم وأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي وطائفة وثقه ابن حبَّان، وقال في التقريب: صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم كانت فيه غفلة من العاشرة مات في آخر ذي الحجة بعد الموسم سنة (٢٤٣) ثلاث وأربعين ومائتين.