فيه إشارة إلى حال المنهوبين، فإنهم ينظرون إلى من ينهبهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه، قال: ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون خفية، والانتهاب أشد؛ لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة اهـ فتح (١٢/ ٦٠) ومن أجل هذا شرط بعض الشافعية لكون الغصب كبيرة، أن يكون المغصوب نصابًا، وكذا السرقة اهـ منه (١٢/ ٦٣).
قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث التنبيه على جميع أنواع المعاصي، والتحذير منها، فنبه بالزنى على جميع الشهوات المحرمة، كشهوة النظر والكلام والسمع ولمس اليد ونقل الخطا إلى مثل تلك الشهوة كما قال صلى الله عليه وسلم:"فزنى العينين النظر وزنى اللسان الكلام وزنى اليد البطش وزنى الرجل الخُطا والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
ونبه بالسرقة على اكتساب المال بالحيل الخفية، وبالنهب على اكتسابه على جهة الهجم والمغالبة، وبالغلول على أخذه على جهة الخيانة، هذا ما أشار إليه بعض علمائنا.
(قلت) وهذا تنبيه لا يتمشى إلا بالمسامحة، وأولى منه أن يقال إن الحديث يتضمن التحذير عن ثلاثة أمور، وهي من أعظم أصول المفاسد، وأضدادها من أصول المصالح، وهي استباحة الفروج المحرمة والأموال المحرمة، وما يؤدي إلى الإخلال بالعقول، وخص بالذكر أغلب الأوجه حُرمة التي يؤخذ بها مال الغير بغير الحق، وظاهر هذا الحديث حُجة للخوارج والمعتزلة وغيرهم ممن يُخرج عن الإيمان بارتكاب الكبائر، غير أن أهل السنة يعارضونهم بظواهر أخرى أولى منها، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر:"من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، وكقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت "ومن أصاب شيئًا من ذلك يعني من القتل والسرقة والزنا فعُوقب به فهو كفارة له ومن لم يُعاقب فأمره إلى الله إن شاء عفا، وإن شاء عذبه" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ويُعضد هذا قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، ونحو هذا في الأحاديث كثير، ولما صحت هذه