فقدنا أحدًا غير هؤلاء الذين ذكرناهم بقولنا فقدنا فلانًا وفلانًا إلخ قال القرطبي هذا الاستفهام ليس مقصوده استعلام كونهم فقدوا أحدًا ممن يعز عليهم فقده إذ ذاك كان معلومًا له بالمشاهدة وإنما مقصوده التنويه والتفخيم بمن لم يحفلوا ولم يعتنوا به ولا التفتوا إليه لكونه غامضًا خاملًا في الناس ولكون كل واحد منهم أصيب بقريبه أو حبيبه فكان مشغولًا بمصابه لم يتفرغ منه إلى غيره ولما أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كان من حال جليبيب من قتله السبعة الذين وجدوا إلى جنبه نوّه باسمه وعرّف بفقده فـ (ـقال لكن أفقد جليبيبًا) أي فقده أعظم من فقد كل من فقد والمصاب به أشدّ (فاطلبوه فطُلب) جليبيب (في القتلى) من الفريقين (فوجدوه) أي وجدوا جليبيبًا (إلى جنب سبعة) إلى جانب سبعة قتلى من الكفار (قد قتلهم) جليبيب (ثم قتلوه) أي ثم بعد قتله السبعة قتله من بقي من الكفار فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم وجدوه (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم) مصرعه (فوقف عليه) أي على جليبيب (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في مدحه (قتل سبعة) من الأعداء (ثم قتلوه) فـ (ـهذا) يعني جليبيبًا (مني) أي من أهل طريقتي وسنتي في معاداة أعداء الله تعالى (وأنا) أي وعملي (منه) أي من جنس عمله في معاداة أعداء الله وقتلهم وكرره بقوله (هذا مني وأنا منه) تأكيدًا للكلام وما أعظم هذه الفضيلة التي حازها هذا الصحابي مع كونه غير مشهور عندهم قال النووي معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى اهـ (قال) أبو برزة ثم إنه صلى الله عليه وسلم أقبل عليه بإكرامه (فوضعه على ساعديه) أي جعل ساعدي يديه كالوسادة له مبالغة في إكرامه (ليس له) مستند (إلا ساعدا النبي) بصيغة المثنى المرفوع مبالغة في إكرامه ولتناله بركة ملامسته أي ليس له سرير غير ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مصرح به فيما رواه ابن عبد البر بسنده (قال) أبو برزة (فحفر له) القبر (ووضع في قبره) فدفن (قال) كنانة بن نعيم (ولم يذكر) أبو برزة (غسلًا) له ولا صلاة