إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب
مشتق من الاقتران وهو بمعنى الوقت من الزمان يقال له ذلك لأنه يقرن أمة بأمة واختلفوا في تحديد مقدار زمانه فقيل ثمانون سنة وقيل ستون سنة وقال الحافظ في فتح الباري [٧/ ٥ و ٦] والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة وقد سبق في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله "وبعثت في خير قرون بني آدم" وفي رواية بريدة عند أحمد "خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيهم" وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل "وهو آخر من مات من الصحابة" لمان اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعًا وتسعين وأما قرن التابعين فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين وأما الذين بعدهم فإن اعتبر منها كان نحوًا من خمسين فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان والله أعلم واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا قوله "ثم الذين يلونهم" إلخ واقتضى هذا الحديث أن يكون الصحابة أفضل من التابعين والتابعون أفضل من أتباع التابعين لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد محل بحث وإلى الثاني نحا الجمهور والأول قول ابن عبد البر قال الحافظ والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره أو أنفق شيئًا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا من كان وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث والأصل في ذلك قوله تعالى: {لَا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}[الحديد: ١٠]، وأطال الحافظ في الفتح في تحقيق محل البحث ثم انتهى إلى أن ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد وكذلك من عمل شيئًا من أعمال الخير في عهده صلى الله عليه وسلم فلا يعدله في تلك الأعمال من جاء بعده أما الفضائل الجزئية فلها مجال واسع اهـ.
(ثم) بعد القرون الثلاثة (يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه) تارةً (و) تسبق (يمينه شهادته) تارةً أخرى قال النووي هذا ذم لمن يشهد ويحلف مع شهادته ومعنى الحديث أنه