العلاء لسليمان (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي) ولا يليق (لصدِّيقٍ) أي لمؤمن كامل الصدق (أن يكون لعَّانًا) أي لاعنًا للحيوان ولو مرةً والمبالغة ليست على بابها قال النووي فيه الزجر عن اللّعن وأن من تخلَّق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى.
وليس الدّعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشدُّ بعضهم بعضًا وكالجسد الواحد وأنَّ المؤمن يحث لأخيه ما يُحبُّ لنفسه فمن دعا على أخيه المسلم باللَّعنة وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو في نهاية المقاطعة والتدابر وهذا غاية ما يودّه المسلم للكافر ويدعو عليه اهـ.
قال القرطبي: قد تقدم أن أصل اللعن الطرد والبعد وهو في الشرع البعد عن رحمة الله تعالى وثوابه إلى نار الله وعقابه وأنَّ لعن المؤمن كبيرة من الكبائر إذْ قال صلى الله عليه وسلم "لعن المؤمن كقتله" متفق عليه قوله "لا ينبغي لصديق" والصديق فعيل بمعنى كثير الصدق والتصديق كما قد تقرَّر في صفة أبي بكر رضي الله عنه "أن يكون لعَّانًا" واللعان الكثير اللعن ومعنى هذا الحديث أنّ من كان صادقًا في أقواله وأفعاله مصدِّقًا بمعنى اللعنة الشرعيَّة لم تكن كثرة اللعن من خُلُقه لأنه إذا لعن من لا يستحق اللعنة الشرعية فقد دعا عليه بأن يبعد من رحمة الله وجنّته ويدخل في ناره وسخطه والإكثار من هذا يناقض أوصاف الصدِّيقين فإن من أعظم صفاتهم الشَّفقة والرحمة للحيوان مطلقًا وخصوصًا بني آدم وخصوصًا المؤمن فإن المؤمنين كالجسد الواحد والبنيان الواحد كما تقدم فكيف يليق أن يدعى عليهم باللعنة التي معناها الهلاك والخلود في نار الآخرة فمن كثر منه اللعن فقد سلب منصب الصدِّيقية ومن سُلبه فقد سلب منصب الشفاعة والشهادة الأخروية كما قال لا يكون اللعانون شُفعاء ولا شهداء يوم القيامة وإنما خُصَّ اللّعان بالذكر ولم يقل لاعنًا لأنَّ الصدِّيق قد يلعن من أَمَرهُ الشَّرعُ بلعنه وهو لعنة الله على الظالمين لعن الله اليهود والنصارى لعن الواصلة والواشمة وشارب الخمر وقد يقع منه اللعن فلتةً ونُدرةً ثم يراجع وذلك لا يخرجه عن الصدِّيقيَّة ولا يفهم من نسبتنا الصدِّيقية لغير أبي بكر مساواة غير أبي بكر لأبي بكر رضي الله عنه في صدِّيقيته فإن ذلك باطل بما