يحدِّث عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَنهُ قَال في حَجَّةِ الْوَدَاعِ:"وَيحَكُمْ -أَوْ قَال: وَيلَكُمْ- لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"
ــ
عمر بن الخَطَّاب رضي الله تعالى عنهما العمري المدنِيُّ ثِقَة من الثالثة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب حالة كون محمَّد بن زيد (يحدث عن) جده (عبد الله بن عمر) بن الخَطَّاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل المكيّ أحد المكثرين من الصَّحَابَة مات سنة أربع وسبعين (٧٤) بمكة ودفن بفخ وهو ابن أربع وثمانين سنة والفخ بفتح الفاء وتشديد الخاء المعجمة موضع بمكة دفن فيه ابن عمر ذكره في القاموس وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.
وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكّيّ إلَّا على طريقة ابن أبي شيبة فإنَّه كُوفِيّ والبصري اثنان فقط.
(عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال في حجة الوداع) في خطبة يوم النحر بمنى سنة عشر (ويحكم) أي أشرفتم على الهلاك واستحق لكم الترحم (أو قال) صلى الله عليه وسلم (ويلكم) وأو هنا للشك من الراوي، أي هلكتم هلاككم أو ألزمكم الله الهلاك فهما مفعولان به لفعل محذوف تقديره اسوجبتم الويح والترحم لكم أو ألزم الله الويل والهلاك لكم إلَّا ترجعوا) ولا ترتدوا (بعدي) أي بعد وفاتي فتصيروا (كفارًا) أي أشباه كفار غيركم حالة كونكم (يضرب) ويقطع (بعضكم رقاب بعض) آخر وأعناقه مستحلين المقاتلة بينكم.
(فائدة) في الويح والويل والويس والويب وهما بمعنى الويل والويح في الأصل دعاء بالرحمة والويل دعاء بالهلاك أريد بهما هنا الحث والتحريض على ملازمة الإيمان والتمسك بشرائع الإِسلام والتحذير عن الرجوع إلى الكفر والارتداد على الأعقاب لا حقيقة الرحمة والهلاك وانتصابهما إما على المصدر بفعل ملاق لهما في المعنى دون اللفظ لأنهما من المصادر التي لم تستعمل أفعالها والتقدير استوجبتم ويحكم وهلكتم هلاككم وإما على المفعول والتقدير أوجب الله ويحكم وألزم ويلكم وعلى كلا التقديرين فالجملة في محل النصب مقول لقال كذا أفادته الجمل على الجلالين، وقد بسطنا الكلام على الويل في حدائق الروح والريحان فراجعه.