ولا تفرّط في طلب ذلك ولا تعاجز عنه متكلًا على القدر فتنسب إلى التقصير وتلام على التفريط شرعًا وعادة ومع إنهاء الاجتهاد نهايته وإبلاغ الحرص غايته فلا بد من الاستعانة بالله والتوكل عليه والالتجاء في كل الأمور إليه فمن سلك هذين الطريقين حصل على خير الدارين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (واستعن بالله ولا تعجز) أي احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن الاجتهاد في الطاعة ولا عن طلب الإعانة من الله تعالى اهـ من المفهم.
وعبارة النووي هنا المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدوفي الجهاد وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلبًا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك اهـ منه (وإن أصابك شيء) من القدر مما يصعب ويشق عليك. (فلا) تجزع منه ولا (تقل لو أني فعلت) كذا وكذا من الأسباب لـ (كان) وحصل لي (كذا وكذا) من الخير (ولكن) اصبر على ما أصابك و (قل) هذا الَّذي أصابني (قدّر الله) أي ما قدره الله عليّ أزلًا (وما شاء) الله سبحانه وأراد (فعل) بعباده لا يسأل عما يفعل ولا راذ لقضائه (فإنَّ لو) أي لا تقل لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا لأن لو (تفتح عمل الشيطان) ووسوسته.
قال القرطبي قوله: "وإن أصابك شيء فلا تقل" إلخ يعني أن الَّذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله تعالى والرضا بما قدره الله تعالى والإعراض عن الالتفات لما مضى وفات فإن افتكر فيما فاته من ذلك وقال لو أني فعلت كذا لكان كذا جاءته وساوس الشيطان ولا تزال به حتَّى تفضي به إلى الخسران لتعارض توهم التدبير سابق المقادير وهذا هو عمل الشيطان الَّذي نهى عنه النبي صلَّى الله عليه وسلم بقوله "فلا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان" ولا يفهم من هذا أنَّه لا يجوز النطق بلو مطلقًا إذ قد نطق بها النبي صلَّى الله عليه وسلم فقال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة متفق عليه ولو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمت هذه متفق عليه وقال