تفسير له وقوله (إنه لعهد النبي الأمي) والعهد الميثاق والأمي هو الذي لا يكتب كما قال (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والأمي منسوب إلى الأم لأنه باق على أصل ولادتها إذ لم يتعلم كتابة ولا حسابًا وقيل ينسب إلى معظم أمة العرب إذا الكتابة كانت فيهم نادرة وهذا الوصف من الأوصاف التي جعلها الله تعالى من أوصاف كمال النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه بها وإنما كان وصف نقص في غيره لأن الكتابة والدراسة والدربة على ذلك هي الطرق الموصلة إلى العلوم التي بها تشرف نفس الإنسان ويعظم قدرها عادة، فلما خص الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بعلوم الأولين والآخرين من غير كتابة ولا مدارسة كان ذلك خارقًا للعادة في حقه ومن أوصافه الخاصة به الدالة على صدقه التي نعت بها في الكتب القديمة وعرف بها في الأمم السابقة كما قال الله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ}[الأعراف: ١٥٧] فقد صارت الأمية في حقه من أعظم معجزاته وأجل كراماته وهي في حق غيره نقص ظاهر وعجز حاضر فسبحان الذي صيّر نقصنا في حقه كمالًا وزاده تشريفًا وجلالًا، قال القرطبي: وهذا الحكم الذي جرى في علي رضي الله عنه جارِ في أعيان الصحابة كالخلفاء الراشدين والعشرة والمهاجرين بل وفي كل الصحابة إذ كل واحد منهم له شاهد وغناء في الدين وأثر حسن فيه فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان وبغضهم له محض النفاق لكنهم لما كانوا في سوابقهم ومراتبهم متفاوتين فمنهم المتمكن الأمكن والتالي والمقدم خص الأمكن منهم بالذكر في هذا الحديث وإن كان كل منهم له في السوابق أشرف حديث وهذا كما قال العلي الأعلى {لَا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} إلى قوله {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد: ١٠].
(تنبيه) من أبغض بعض من ذكرنا من الصحابة من غير تلك الجهات التي ذكرناها بل لأمر طارئ وحدث واقع من مخالفة غرض أو ضرر أو نحو ذلك لم يكن كافرًا ولا منافقًا بسبب ذلك لأنهم رضي الله تعالى عن جميعهم قد وقعت بينهم مخالفات عظيمة وحروب هائلة ومع ذلك فلم يكفر بعضهم بعضًا، ولا حكم عليه بالنفاق، لما جرى بينهم من ذلك، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام، فإما أن يكون كلهم مصيبًا فيما ظهر له، أو المصيب واحد، والمخطئ معذور، بل مخاطب