والفاء في قوله (فإني) معللة للأمر بالتصدق والاستغفار أي لأني (رأيتكن أكثر أهل النار) والعذاب، والرؤية هنا، إما علمية تتعدى إلى مفعولين، أي علمتكن بما عرفت من أحوالكن، أو بصرية تتعدى إلى مفعول واحد، وأكثر حال من ضمير المخاطبات لأن أفعل لا يتعرف بالإضافة إلى اسم الجنس، كما عليه ابن السراج وأبو علي الفارسي، أي أبصرتكن في النار مكاشفة، حال كونكن أكثر أهلها.
وقول النووي هنا:(وقيل هو بدل من الكاف في رأيتكن) خطأ لفساد المعنى، لأن المبدل منه في نية الطرح فيكون المعنى رأيت أهل النار، والقصد الإخبار عن رؤيتهن لا عن رؤية أهل النار، تأمل، أي رأيت صنفكن لا المخاطبات، وأكثريتهن هو السبب في أمرهن بالإكثار.
قال الأبي:(فإن قلت) أكثريتهن مع قوله في حديث أهل الجنة "لكل واحد منكم زوجتان" تدل على أن صنف النساء أكثر من صنف الرجال (قلت) أكثريتهن حينئذ لا تستلزم أكثريتهن دائمًا أو يقال الزوجتان إنما هما بعد الخروج من النار، أو أنهما ليستا بآدميتين كما يدل عليه قوله تعالى:{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} انتهى.
وعبارة المفهم أي اطلعت على نساء آدميات من نوع المخاطبات، لا على أنفس المخاطبات كما في الرواية الأخرى "اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء" رواه أحمد والبخاري والترمذي من حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه.
(فـ) لما سمع النساء ذلك علمن أن ذلك كان لسبب ذنب سبق لهن و (قالت امرأة منهن جزْلة) بسكون الزاي لأنه اسم فاعل من فعُل المضموم يقال: جَزُلَ زيد فهو جزْلٌ وهي جزلة أي عاقل وعاقلة كما قال ابن مالك في لامية الأفعال:
كوزن فاعلٍ اسمُ فاعلٍ جُعلا ... من الثلاثي الذي ما وزنه فَعُلا
ومنه صيغ كسهل والظريف وقد ... يكون أفعلَ أو فعالًا أو فعلا
وعبارة المناهل هنا مع المتن (ومنه صيغ) أي وبُني اسم الفاعل من مصدر فَعُل المضموم المذكور في آخر البيت السابق، على وزنين قياسيين، أحدهما فعْلٌ بفتح الفاء وسكون العين، وذلك (كسهل) أي كقولك سَهُلَ الأمر فهو سهل إذا لأن، وصعُبَ ضد سهل، فهو صعب وجَزُل زيد فهو جزل إذا كان عاقلًا، وثانيهما فعيل (و) ذلك