ولفظها "أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"(أتكلف هذا) أي أتتكلف بحذف إحدى التاءين لأنَّ مضارع تكلف الخماسي أي هل تكلف نفسك بهذا القيام الكثير الذي أدى إلى ورم قدميك (وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال) صَلَّى الله عليه وسلم: (١) أترك تهجدي (فلا أكون عبدًا شكورًا) لربه، فالهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، والفاء سببية عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والفعل منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام أي هل يكون ترك تهجدي فعدم شكري لربي: لا: أي أفلا أكون عبدًا شكورًا على ما أنعم الله عليَّ من هذا الفضل العظيم الذي خصصت به، كذا في العيني. وقال ابن بطال: في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك ببدنه لأنَّه صَلَّى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك فضلًا عمن لم يأمن أنَّه استحق النَّار اه، قال الحافظ في الفتح [٣/ ١٥] ومحل ذلك ما إذا لم يفض ذلك إلى الملال لأنَّ حال النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال فكان لا يمل عن عبادة ربه وإن أضر ذلك ببدنه بل صح أنَّه قال: "وجعلت قوة عيني في الصَّلاة" كما أخرجه النَّسائيّ من حديث أنس، فأمَّا غيره صَلَّى الله عليه وسلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه وعليه يحمل قوله صَلَّى الله عليه وسلم:"خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتَّى تملوا" وفي الحديث مشروعية الصَّلاة للشكر، وفيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان كما قال تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} اه، قال القرطبي: ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنَّه إنَّما يعبد الله خوفًا من الذنوب وطلبًا للمغفرة والرحمة فمن تحقق أنَّه غفر له لا يحتاج إلى ذلك فأفادهم أن هناك طريقًا آخر للعبادة وهو الشكر على المغفرة وإيصال النعمة لمن لا يستحق عليه فيها شيئًا فيتعين كثرة الشكر على ذلك اه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في مواضع منها في تفسير سورة الفتح باب قوله:({لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ ... )[٤٨٣٦]، والترمذي في الصَّلاة باب ما جاء في الاجتهاد في الصَّلاة [٤١٢]، والنَّسائيُّ في قيام الليل باب الاختلاف على عائشة في